شخصيّة بشر ، لأنّ الصورة التّي في ذهنه ليست هي الله ، بل غيره ، فيكون الإيمان بها إيمانا بغير الله حقيقة. وفي ضوء ذلك أكّدت أبحاث العقيدة على صفات الله ، كمنطلق للتوحيد الخالص ، وناقشت الغلاة الّذين يعتقدون بربوبيّة بعض البشر ـ كمن يعتقد بربوبيّة عليّ عليهالسلام ـ واعتبرتهم كفرة تماما كمن يعتقد بألوهية الأصنام ، ولكنّها تحفّظت على المجسّمة الّذين يعتقدون أنّ الله جسم ، ويفلسفون القضيّة ليصلوا من خلال ذلك إلى أنّ مثل هذا الاتجاه في تصور الله ـ كجسم ـ يشبه أن يكون كفرا ، أو هو الكفر بعينه. وعلى هذا الأساس ، أطلق القرآن على النصارى الّذين قالوا : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) صفة الكفّار ، مهما كانت الأساليب الّتي اتبعوها في صياغة هذه العقيدة ، ثمّ ناقشهم ببساطة الكفر وعفويته ، فإذا كان المسيح هو الله ، فكيف عجز عن الدفاع عن نفسه ، مع أنّ طبيعة الألوهيّة تفرض القدرة المطلقة؟ والمسيح لم يستطع دفع الموت عن نفسه وعن أمّه عند ما أراد الله إهلاكه ، ـ على فرض أنّه مات كما يعتقد النصارى ـ وبذلك لم يعد هناك أيّ فرق بينه وبين كل من في الأرض الّذين يموتون بإرادة الله من دون أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم ، مهما كانت وسائل الدفاع الّتي يملكونها ، وليس ذلك إلّا انطلاقا من الحقيقة الّتي تؤكد أنّ لله ملك السماوات والأرض وما بينهما ، فكل ما فيهما ، ومن فيهما ، ملك لله ، فكيف يمكن أن يدفعوا عن أنفسهم قدر الله وقضاءه؟ فهو الّذي يخلق ما يشاء ويتصرف في خلقه بما يشاء ، من خلال القدرة المطلقة على كل شيء ، مهما كان كبيرا وعظيما.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) فإنّ الله لا يمكن أن يتجسد في أيّ بشر مهما كانت صفته ، لأنّه مخلوق لله خاضع لما يخضع له أيّ مخلوق في نقاط ضعفه ، مما يمتنع عليه في ذاته أن يتصف بصفات الألوهيّة فضلا عن أن يكون هو الله ، مهما كانت الصورة الّتي صورنا بها هذه الوحدة بين الله والمسيح الّتي تحوّلت إلى عقيدة شاملة للنصارى في