تعبيراتهم الحاليّة مثل قولهم : «ربّنا يسوع المسيح» مع التزامهم بالتثليث الّذي لا يعتبرونه تثليثا ماديّا بالمعنى العددي المنفصل ، وهذا ما لم يقم عليه دليل إلّا بما يتصورونه من تفسير الإنجيل (١) وهم لا يرونه بهذه الطريقة ويؤكدون بأنّ المسألة فيه ليست مسألة عقل يؤكد الفكرة بالدلايل العقلي ، بل هي مسألة إيمان فوق مستوى العقل ، يعيشه الإنسان في حسّه ووجدانه.
ولما كانت هذه العقيدة بعيدة عن معنى الله في وحدانية ذاته بحيث لا تقبل التجسد والتماثل في أيّ مخلوق أو أيّ بشر ، اعتبرها القرآن كفرا وجحودا بالحقيقة الإلهية ، تماما كما لو كانت المسألة الاعتقاد بإله غير الله ، لأنّ للتصوّر دوره في تأصيل فكرة الله في وجدان المؤمن.
وإذا كان من غير الممكن تصور الله في ذاته ، فإنّ ذلك لا يعني الامتناع عن مناقشة التفاصيل العقيديّة الّتي لا تلتقي بالقناعات العقليّة الّتي ترجع إلى الوجدان الإنساني في تصوراته للأشياء ، لأنّ هناك فرقا بين وعي الحقيقة الإلهيّة في جوهرها الذاتي وإهمال الحديث عن كل الصفات الّتي لا تتناسب معها ، فارتفاع مضمون الإيمان عن العقل لا يعني ابتعادا ، في خصوصياته ، عن الدليل العقلي ، في جانب السلب والإيجاب.
وربّما كان انتماء المسيح إلى مريم في الحديث عن الموضوع ، بعض الإشارة إلى أنّ هذه النبوّة والأمومة تعني خضوعه لما يخضع له المخلوق من مرحلة الجنينيّة في الحمل ومرحلة الولادة وما يستتبع ذلك من حاجته إلى النمو واستقراره في محيط صغير وهو الرحم ، وتعرّضه للتحولات الّتي ينتقل بها من حالة إلى حالة ، وللحاجات الجسديّة الطبيعيّة كالغذاء ونحوه ، مما لا يتناسب مع معنى الألوهيّة ، فكيف تلتقي مع القول بأنّه هو الله؟
* * *
__________________
(١) ولعلّ عمدتهم ـ في ذلك ـ عبارة في إنجيل يوحنا وهي «في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله» ، [الكتاب المقدس ، دار الكتاب المقدس ، إنجيل : يوحنا ، الإصحاح : ١ ، الآية : ١ ، ص : ١٤٥] والكلمة في تفسيرهم هي المسيح.