الماضية الخفية والعلنية ، وليجزيهم جميعا ، من موقع قدرته المتحركة في آفاق عدله ورحمته ، ليجد الجميع مواقع حمده في ذلك كله ، فهو أهل الحمد في كل شيء. (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الذي أقام نظام الدنيا وفق الحكمة الخفية الشاملة ، والظاهرة آثارها في أسرار الخلق وإبداع التدبير ، وأدار نظام الآخرة في خط الحق والعدل والرحمة والمغفرة ، على أساس من الدّقة البالغة الحكمة من خلال خبرته بالأشياء كلها في كلياتها وجزئياتها.
(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) من كل مخلوقاته الدقيقة الحيّة ، من نبات تختبئ حباته في زواياها وفي أعماقها ، ومن حشرات وديدان وزواحف وهوامّ تتحرك في حفرها وأخاديدها وعروقها وخباياها وأعماقها ، ومن قطرات الماء التي تنفذ إلى ترابها لتتحوّل ـ في تراكماتها ـ إلى بحار جوفيّة ، وإلى ينابيع متفجرة ، وغير ذلك مما ينفذ إليها من غازات وإشعاعات وعناصر خفية ، (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من النبات الذي ينبثق من قلب الأرض ، والينبوع الذي يتفجر منها ، والحشرات الصغيرة ، والديدان الدقيقة ، والزواحف المخيفة ، وما إلى ذلك مما تنفتح عنه الأرض في ما خلّفه الله فيها من مكامن ، وما يسره فيها من السبل التي تربط الظاهر بالباطن ، والسطح بالعمق.
(وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) من مطر وشعاع وهوامّ وطير ، ومن ملائكة تهبط وتصعد لتدبّر ما أوكل الله إليها تدبيره ، ومن أرواح تصعد إلى بارئها بعد أن أكملت حياتها في الأرض ، وأخرى تنزل من خلال إرادته التي تحركها في الأجساد لتنطلق الحياة ، ومن قطرات الماء التي تتصاعد لتكون بخارا فيكون ماء بإذن الله ، وهكذا يحيط علمه بكل شيء مما دقّ وخفي مما لا يحصيه عدّ ، ولا يحيط به فكر ، لأنه الخالق لذلك كله ، فكيف يخفى عنه شيء منه (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك : ١٤].
(وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) الذي يطّلع على أعمال عباده ، في ما يخطئون