ويتمرّدون وينحرفون ، فيطلّ عليهم من مواقع رحمته التي تعرف خفاياهم وظروفهم وأوضاعهم التي تثير فيهم نوازع الخطيئة ، وتقودهم إلى مواضع الانحراف ، فيغفر لهم ذنوبهم ، ليمنحهم الفرصة للرجوع إليه.
* * *
بين الحكمة والعبث
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) لأن الذهنية المحدودة التي يحملونها لا تلتقي بالأفق الواسع الممتد في رحاب قدرة الله وإحاطته وحكمته ، فهو الذي لا يعجزه شيء ، فلا مجال لاستبعاد إعادته الخلق من جديد ، بعد أن خلقهم من عدم. وهو الذي لا يتحرك من عبث ، إذ كيف يخلق الحياة والناس ويدفعهم إلى مواجهة الموقف تحت وطأة المسؤولية ، ثم يتركهم إلى العدم؟ أفلا تكون الحياة إذا فرصة عبث ، تماما كما هي الفقّاعات التي تنتفخ ثم تنفجر لتغيب في الفراغ؟ ولماذا كان التكليف ، والمسؤولية ، إذا كانا لا ينتهيان إلى شيء ، فلا يلاقي المحسن جزاء إحسانه ، ولا يلاقي المسيء جزاء إساءته؟
إنّ الحكمة تفرض الهدف ، وإن الهدف يفرض الآخرة التي تعطي للحياة معناها العميق والممتد في النتائج المتصلة بالإنسان وبالمسؤولية ، ولكن مشكلة هؤلاء أنهم مشدودون للحس ، غارقون في تفاصيله ، متخبّطون في دياجيره ، سابحون في أوحاله ، ولذلك كانوا خاضعين للفكرة المادية التي تستند إلى الاستبعاد الحسي للبعث ، لأنهم لم يشاهدوا نموذجا مماثلا ، في الوقت الذي يشاهدون اختلاط الأبدان وتبدلها وتحوّلها إلى تراب لا أثر فيه للحياة حتى بنحو الاختلاجة. ولهذا كان الردّ بتأكيد الحقيقة ، من دون مقدّمات ، لأنها تحمل في داخلها معنى ثبوتها وثباتها من خلال الفكر المتحرك