ولقد آتينا داود فضلا
في القرآن لمحات خاطفة عن النبيّ داود ، في فضل الله عليه مما أولاه من نعمه ، وفي دوره في موقع الخلافة في الأرض على مستوى الحكم ، وفي بعض اللقطات الجزئية من أحكامه ، وهناك حديث عابر عن بعض ما آتاه الله من نعمه ، في ما يوحي ذلك بقربه منه.
(* وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) فأوحينا إلى الجبال (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) وألهمناها (وَالطَّيْرَ) مثل ذلك ، فكان داود يفتح قلبه لله ، ويحرك شفتيه بذكره ، وينطلق التسبيح الخاشع من كل روحه ، كلمات مثل السحر ، وصوتا في صفاء النور ونقاء الينبوع يهمي ويهمي فتنساب منه الأنغام في عفويّة الترنيمة الحلوة وفي غيبوبة المشاعر الحالمة ، فتمتزج حلاوة صوته بحلاوة كلماته ، ليمتزجا معا بالحب الإلهي في قلبه ، حتى كان الحديث عن مزامير داود ، الذي كانت مناجاته كمثل المزامير في حلاوة النغم ، وعذوبة اللحن ، من دون تكلّف ولا تعقيد ، وهكذا كانت الجبال تسبّح معه ، وترجّع كل أصداء الكلمات ، وكل تقاطيع النغمات ، وكانت الطير تنسجم في أجواء التسبيح معه ، فتشعر كما لو كان الكون كله ينطلق ـ من خلاله ـ في تسبيحة واحدة لله الواحد القهار.
* * *
كيف نفهم تسبيح الجبال والطير؟
وقد نستطيع الأخذ بظاهر القرآن ـ في ما لم يثبت استحالته أو خلافه ـ فلا نرى أيّ مانع من أن ترجّع الجبال صدى صوته ، والطير نغمات تسبيحه