إنهم يخاطبون السطح الساذج للذهنية العامة ، ويطرحون المسألة على أساس أنها دائرة بين احتمالين ، لا ثالث لهما ، ليبعدوا الناس عن التفكير في المضمون الجدي والنتيجة الحاسمة المتصلة بقضية المصير ، لأنهم لا يريدون للناس أن تفكر ، ويعملون على أساس تطويق الحالة الفكرية بالحرب النفسية التي لا تسمح للفكر أن يتحرك في الاتجاه السليم لمناقشة القضايا المطروحة ، بالإيحاء بأنها ليست مما يوحي بالتأمل ، بل مما يوحي بالدهشة والاستغراب أو الاستهزاء (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) وهذا هو الرد القرآني الذي يطرح المسألة بالأسلوب نفسه الذي يطرحون به هذين الاحتمالين ، ليصدم الموقف بطريقة سريعة ، تحتوي المشاعر ، وتخفف تأثير الآخرين عليها ، ثم تبدأ في مناقشة الأمور بطريقتها الخاصة. فهؤلاء هم الذين يعيشون في الضلال الغارق في التيه البعيد في مواقعه الممتدة في صحراء الجهل والتخلف والظلام ، كما يعيشون في مواقع العذاب الذي ينتظرهم جزاء لكفرهم الذي لا يملكون فيه أيّة حجّة ، ولا يستندون معه إلى ركن وثيق. إن المشكلة في الموقف ، هي مشكلتهم في ما يتخبّطون به ، وليست مشكلة النبي في ضلال طروحاته ليدور الأمر بين احتمال كذبه واحتمال جنونه.
(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ومن هو الذي يمسك السماء أن تسقط ، وهو القادر على أن يسقطها ، أو يسقط الشهب قطعا ، أو يرسل الصواعق الملتهبة الحارقة فيصيب بها من يشاء؟ ومن الذي يمسك الأرض السابحة في الفضاء ، أن تهتز وتزول ، وهو القادر على أن يخسفها ويزلزلها؟ وكيف تتحركان بإرادته وقدرته وتدبيره (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) كما خسفنا بمن قبلهم من الذين ابتلعتهم الأرض بزلزالها (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) بتساقط الشهب ، أو تحريك الصواعق. فلما ذا لا يفكرون بقدرة الله الشاملة التي لا تقف عند حدّ ليدركوا من خلالها كيف يتّقونه ويخافونه ويحسبون حسابه في كل الأمور ، ولا يستعجلون الحكم على الأشياء ، لا سيّما