المناسب لها بالانشاء والقصد بحيث كان الانشاء والقصد من قبيل الجزء الأخير من العلة التامة لتحققها ، نظير الملكية والزوجية ونحوهما ، فان روح الجعل فيها عبارة عن تكوين حقائقها بالانشاء والقصد بحيث لولا قصد التسبب بانشائها إلى تحققها في الوعاء المناسب لها لما كان لها تحقق أصلا ، فكان الجعل والانشاء فيها واسطة بينها وبين ارادتها ( وهذا المعنى ) غير متصور في الأحكام التكليفية ، لا بالنسبة إلى نفس الإرادة ، لأنها امر واقعي تدور في تحققها مدار تحقق مباديها من العلم بالمصلحة والعزم والجزم ، ولا بالنسبة إلى حيث ابرازها بانشاء أو اخبار ، لكونها من الأمور المتأصلة الخارجية ومن مقولة الفعل ، فلم يبق الامر حلة البعث والتحريك والوجوب ، وقد عرفت ان هذه أمور اعتبارية انتزاعية ينتزعها العقل من مجرد ابراز الإرادة من المولى فلا ترتبط بالحقائق الجعلية ( نعم ) لا بأس بدعوى الجعل بمعنى التكوين فيها باعتبار ايجاد ما هو المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة أعني الاعلام بالإرادة واظهارها خارجا باخبار أو انشاء فعلي أو قولي ، فإنه بهذه العناية تكون الأمور المزبورة منسوبة إلى الجعل التكويني وتابعة لما بيد الشارع وضعه ورفعه وهو الامر الذي عين الانشاء الاختياري والتشريع ، ولكن هذا المقدار لا يوجب كونها جعلية بالمعنى المتصور في الأحكام الوضعية كما هو واضح ( وبما ذكرنا ) انقدح ان ما اشتهر وانغرس في بعض الأذهان من أن القضايا الشرعية والاحكام الطلبية من سنخ القضايا الحقيقية التي تكون فرض وجود الموضوع فيها موجبا لفرض محموله ، فلا يكون الحكم فيها فعليا الا في ظرف فعلية موضوعه بقيوده مما لا أصل له ولا أساس.
( فان ) القضايا الحقيقية المصطلحة انما تصح في مثل الأحكام الوضعية المجعولة والاعراض الخارجية التي يكون الخارج فيها ظرفا للعروض والاتصاف ، لا في الأوصاف الوجدانية التي تكون ظرف عروضها هو الذهن وكان الخارج ظرفا لاتصافها محضا ، كالإرادة والكراهة والحب والبغض والتمني ونحوها ، فإنها من جهة قيامها بالوجودات الذهنية لا تحتاج في فعليتها باي نحو يكون لها من التعلق إلى وجود متعلقاتها في الخارج ، ولذا قلنا كرارا ان معروضات تلك الصفات الوجدانية طرا لا يكون الا الصور