القيدين وان كانا مشتركين في الدخل في مصلحة المتعلق ، الا انهما مختلفان في كيفية الدخل فيها ، ( حيث إن ) دخل الأول فيها يكون من قبيل دخل الشيء في أصل الاحتياج إلى الشيء واتصافه بكونه صلاحا ، وبذلك يكون من الجهات التعليلية لطرو الحكم على الموضوع ، بخلاف الثاني فان دخله انما يكون في وجود ما هو المتصف بكونه صلاحا ومحتاجا إليه فارغا عن أصل اتصافه بكونه صلاحا ( ومن الواضح ) حينئذ انه لو ثبت في مورد قيدية شيء للوجوب الذي هو مفاد الخطاب في الواجبات المشروطة لا يكاد صلوحه للقيدية لموضوعه ، لاستحالة تقييد الموضوع بحكمه أو بما هو من علله وبالعكس ( نعم ) تقييد الحكم به موجب لضيق قهري في موضوعه وللزوم تطابق سعة دائرة كل حكم مع موضوعه وامتناع أوسعية أحدهما من الآخر ، كما هو الشأن في كل معروض بالنسبة إلى عرضه في الاعراض الخارجية وغيرها ، ولكنه غير تقييده به ( وحينئذ ) فارجاع القيود المأخوذة في مفاد الخطاب في القضايا المشروطة إلى موضوع الخطاب بجعله مركبا من الذات والوصف كما عن بعض منظور فيه ، فإنه ناشئ عن الخلط بين نحو القيد في كيفية الدخل في مصلحة المتعلق.
( الامر الثالث ) قد تقدم في بعض التنبيهات السابقة ان حقيقة الأحكام التكليفية المستفادة من الخطابات الشرعية ليست الا الإرادة التشريعية المبرزة بأحد مظهراتها من القول أو الفعل ، وان عنوان مثل البعث والتحريك والايجاب والوجوب ونحوها من العناوين اعتباريات محضة منتزعة من مقام ابراز الإرادة ، حيث إنه بابراز المولى إرادة الشيء واشتياقه إليه باخبار أو انشاء من قول أو فعل ، ينتزع العقل من ارادته المبرزة منه عنوان البعث والوجوب واللزوم ، كل باعتبار خاص ، لا انها هي الأحكام التكليفية المستفادة من الخطابات ، ولذا ترى صحة انتزاع تلك العناوين بمحض وصول إرادة المولى إلى مقام البروز بانشائه أو اخباره ولو لم يخطر ببال المولى التسبب بانشائه إلى تحقق تلك العناوين ( وبذلك ) قلنا : ان الأحكام التكليفية بحقيقتها التي هي الإرادة التشريعية المظهرة بأحد مظهراتها ، أجنبية بجميع مباديها عن الجعليات المتصورة في باب الأوضاع ، لان الحقائق الجعلية عبارة عن أمور اعتبارية التي قوام تحققها في الوعاء