(قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) فيه ثلاثة أقوال : أحدها أن تكون «كان» زائدة ونصب (صَبِيًّا) على الحال ، والعامل فيه الاستقرار ، وقيل : «كان» بمعنى وقع نصب صبيّ على الحال إلّا أن العامل فيه كان ، والقول الثالث قول أبي إسحاق. قال :
من للشرط ، والمعنى : من كان في المهد صبيا فكيف نكلّمه؟ قال : كما تقول : من كان لا يسمع ولا يبصر فكيف أخاطبه؟ قال أبو جعفر : وإنما احتاج النحويون إلى هذه التقديرات ؛ لأن الناس كلّهم كانوا في المهد صبيانا ولا بد من أن يبيّن عيسى صلىاللهعليهوسلم بشيء منهم وقد حكى سيبويه زيادة كان ، وأنشد : [الوافر]
٢٨٤ ـ فكيف إذا مررت بدار قوم |
|
وجيران لنا كانوا كرام (١) |
وحكى النحويون : ما كان أحسن زيدا وقالوا على إلغاء كان.
(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) في معناه قولان : أحدهما قدّر أن يؤتينيه ، والآخر أنّ الله جلّ وعزّ أكمل عقله وآتاه الكتاب وجعله نبيا وهو في المهد. قال قتادة : في المهد أي في الحجر.
(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما) مشتقّ من البركة وهو الثبوت على الخير. وكان ثابتا على الخير مشبا ، كما قال عمرو بن قيس : معنى «وجعلني مباركا» معلّما مؤدبا. وبيّن هذا ما رواه شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن عثمان عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم وروى عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «خيركم من علم القرآن وعلّمه» (٢) وروى شريك عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «خيركم من علم القرآن وأقرأه». (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) قال أبو إسحاق : «الزكاة» الطهارة ، وقال غيره وأوصاني بالزكاة أن أؤدّيها إذا وجبت علي وآمر بها ، (ما دُمْتُ حَيًّا) خبر دمت وعلى الحال عند الفراء.
(وَبَرًّا بِوالِدَتِي) قال الكسائي : هو نسق على مبارك أي وجعلني برا. وقرأ ابن
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٨١).
(٢) أخرجه الترمذي في سننه ـ فضائل القرآن ١١ / ٣٢ ، وابن ماجة في سننه ـ المقدمة الحديث ٢١١ ، ٢١٢ ، وأبو داود في سننه حديث رقم (١٤٥٢).