أصل ادّارك تدارك أدغمت التاء في الدال فجيء بألف الوصل ؛ لأنه لا يبتدأ بساكن فإذا وصلت سقطت ألف الوصل وكسرت اللام لالتقاء الساكنين. وفي معناه قولان : أحدهما أنّ المعنى بل تكامل علمهم في الآخرة لأنهم رأوا كلّما وعدوا به معاينة فتكامل علمهم به ، والقول الآخر أن المعنى بل تتابع علمهم اليوم في الآخرة فقالوا تكون ، وقالوا لا تكون. وفي معنى أدرك قولان : أحدهما معناه كمل في الآخرة ، وهو مثل الأول ، والآخر على معنى الإنكار وهذا مذهب أبي إسحاق ، واستدلّ على معنى صحّة هذا القول بأن بعده (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ). فأما معنى أدرك فليس فيه إلّا وجه واحد ، يكون فيه معنى الإنكار كما تقول : أأنا قاتلتك أي لم أقاتلك فيكون المعنى لم يدرك. (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) حذفت منه الياء لالتقاء الساكنين ، ولم يجز تحريكها لثقل الحركة فيها.
هكذا يقرأ نافع (١) في هذه السورة وفي سورة «العنكبوت» (٢) ، وقرأ أبو عمرو باستفهامين إلّا أنه خفّف الهمزة ، وقرأ عاصم وحمزة باستفهامين أيضا إلّا أنهما حقّقا (٣)
الهمزتين. وكل ما ذكرناه في السورتين جميعا واحد ، وقرأ الكسائي (أَإِذا) بهمزتين (اننا) بنونين في هذه السورة وفي سورة «العنكبوت» (٤) باستفهامين. القراءة الأولى إذا كنا ترابا وآباؤنا أننا موافقة للخطّ حسنة ، وقد عارض فيها أبو حاتم ، فقال : وهذا معنى كلامه «إذ» ليس باستفهام و «أإنا» استفهام وفيه «أنّ» فكيف يجوز أن يعمل ما في حيّز الاستفهام فيما قبله ، وكيف يجوز أن يعمل ما بعد أنّ فيما قبلها ، وكيف يجوز غدا أنّ زيدا خارج ، فإذا كان فيه استفهام كان أبعد ، وهذا إذا سئل عنه كان مشكلا لما ذكره. قال أبو جعفر : وسمعت محمد بن الوليد يقول : سألنا أبو العباس محمد بن يزيد عن آية من القرآن صعبة الإعراب مشكلة وهي قوله جلّ وعزّ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [سبأ : ٧] فقال : إنّ عمل في «إذا» ينبئكم كان محالا لأنه لا ينبئهم ذلك الوقت ، وإن عمل فيه مابعد إن كان المعنى صحيحا ، وكان خطأ في العربية أن يعمل ما بعد إنّ فيما قبلها.
وهذا سؤال بيّن ، ويجب أن يذكر في السورة التي هو فيها. فأما أبو عبيد فمال إلى قراءة نافع وردّ على من جمع بين استفهامين ، واستدلّ بقول الله جلّ وعزّ (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٤] ، وبقوله جلّ وعزّ (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٣٧ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٥.
(٢) انظر إعراب الآية ٢٩ ـ سورة العنكبوت.
(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠٠ ، وتيسير الداني ١٣٧.
(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠٠ ، وتيسير الداني ١٣٧.