وعكرمة وعاصم الجحدري وطلحة وأبو زرعة : (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) (١) قال عكرمة : أي تسمهم. وفي معنى «تكلمهم» قولان : فأحسن ما قيل فيه ما روي عن ابن عباس قال : هي والله تكلّمهم وتكلمهم. تكلّم المؤمن ، وتكلم الكافر أو الفاجر تجرحه. وقال أبو حاتم : تكلّمهم كما تقول : تجرّحهم يذهب إلى أنّه تكثير من تكلمهم. وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق (أَنَّ النَّاسَ) (٢) بفتح الهمزة ، وقرأ أهل الحرمين وأهل الشام وأهل البصرة إن الناس بكسر الهمزة. قال أبو جعفر : في المفتوحة قولان وكذا المكسورة ، قال الأخفش : المعنى بأنّ الناس ، وقال أبو عبيد :
موضعها نصب بوقوع الفعل عليها أي تخبرهم أن الناس. وقال الكسائي : والفراء (٣) :
إن الناس بالكسر على الاستئناف ، وقال الأخفش : هو بمعنى تقول إنّ النّاس.
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) بمعنى واذكر ، ومذهب الفراء (٤) أنّ المعنى وذلك يوم ينفخ في الصور ، وأجاز فيه الحذف وجعله مثل (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) [سبأ : ٥١].
(فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) فهذا ماض «وينفخ» مستقبل ، ويقال : كيف عطف ماض على مستقبل؟ وزعم الفراء أنه محمول على المعنى ، لأن المعنى إذا نفخ في الصور ففزع. (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) في موضع نصب على الاستثناء. قرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي وكلّ آتوه داخرين (٥) جعلوه فعلا مستقبلا ، وقرأ الأعمش وحمزة (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) جعلاه فعلا ماضيا. قال أبو جعفر : وفي كتابي عن أبي إسحاق في القرآن من قرأ (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) وحده على لفظ كلّ ومن قرأ (آتَوْهُ) جمع على معناها.
وهذا القول غلط قبيح لأنه إذا قال : وكلّ أتوه فلم يوحد وإنما جمع فلو وحّد لقال :
أتاه ، ولكن من قال : أتوه جمع على المعنى وجاء به ماضيا لأنّه ردّه على «ففزع» ومن قرأ وكلّ آتوه حمله على المعنى ، وقال : آتوه لأنها جملة منقطعة من الأول.
(وَتَرَى الْجِبالَ) من رؤية العين ، ولو كان من رؤية القلب لتعدّت إلى مفعولين ، والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الرّاء فتحرّكت الراء وحذفت الهمزة فهذه سبيل
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠١.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١١٠.
(٣) انظر تيسير الداني ١٣٧.
(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠١.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٩٤ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٧ ، وتيسير الداني ١٣٧.