أنّ (يَبْطِشَ) (١) أعرف منها ، وإن كان الضمّ أقيس ، لأنه فعل لا يتعدّى. (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) قال عكرمة : لا يكون الإنسان جبّارا حتى يقتل نفسين. قال أبو إسحاق :
الجبّار في اللغة المتعظّم الذي لا يخضع لأمر الله جلّ وعزّ وإنما تأول عكرمة في قتل النفسين ـ الآية كما تأول عطاء «فلن أكون ظهيرا للمجرمين» على أنه لا يحلّ لأحد أن يعين ظالما ، ولا يكتب له ، ولا يصحبه ، وإنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين حتى قال لمن استفتاه : ارم قلمك واسترزق الله جلّ وعزّ ولا تكن ظهيرا للمجرمين.
(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) قال أبو إسحاق : أي سلك الطريق الذي هو تلقاء مدين ، قال : ولم ينصرف مدين لأنه اسم للبقعة. (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) قال أبو إسحاق : وسواء السبيل قصد السبيل.
(وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) فقد ذكرنا قول ابن عباس : إن معنى تذودان تحبسان ، وذلك معروف في اللغة يقال : ذاده يذوده إذا حبسه ، وإذا قاده ، لأن معنى قاده حبسه على ما يريد ، وإنما كانتا تحبسان غنمهما لأنهما لا طاقة لهما بالسّقي وكانت غنمهما تطرد عن الماء. (قالَ ما خَطْبُكُما) مبتدأ وخبره قال أبو إسحاق : والمعنى ما تريدان بذود غنمكما عن الماء. (قالَتا لا نَسْقِي) أي لا نقدر على السّقي (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) قراءة أهل الكوفة وأهل الحرمين إلا أبا جعفر فإنه قرأ (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) (٢)
وكذا قرأ أبو عمرو. فمعنى القراءة الأولى حتى يصدر الرعاة مواشيهم ، ومعنى الثانية حتى ينصرف الرعاء فأفادت القراءتان معنيين وهما حسنان إلّا أنّ «يصدر» أشبه بالمعنى ، وزعم أبو حاتم أنّ المعنى حتى يصدروا مواشيهم. قال : ولم يرد حتى ينصرفوا إن شاء الله و «الرعاء» جمع راع كما تقول : صاحب وصحاب. قال يعقوب :
وذكر لي في لغة الرّعاء بضم الراء ، وأنكر أبو حاتم هذه اللغة ، وقال : إذا ضممت الراء لم تقل : إلّا الرّعاة بالهاء والذي أنكره لا يمتنع ، كما يقال : غاز وغزّاء وغزّا بالمدّ والقصر. (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) قال أبو إسحاق : الفائدة في «وأبونا شيخ» أنه لا يمكنه أن يحضر فيسقي فاحتجنا ونحن نساء أن نخرج فنسقي.
__________________
(١) هذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٨ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٩٢.