الغيوب يقذف بالحقّ. قال أبو إسحاق : والرفع من جهتين : على الموضع لأن الموضع رفع وعلى البدل مما في «يقذف». قال أبو جعفر : وفي الرفع وجهان آخران : يكون خبرا بعد خبر ، ويكون على إضمار مبتدأ. وزعم الفراء أن الرفع في مثل هذا أكثر في كلام العرب إذا أتى بعد خبر «إنّ» ومثله (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص : ٦٤].
(قُلْ جاءَ الْحَقُ) قال سعيد عن قتادة ، قال : القرآن. قال أبو جعفر : والتقدير : جاء صاحب الحقّ أي الكتاب الذي فيه البراهين والحجج الحق. (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ) قال سعيد عن قتادة ، قال : الباطل إبليس. والتقدير في العربية صاحب الباطل. وقال الضحاك : الباطل الآلهة ، وقال : وما يبدئ وما يعيد أي ما يحيى وما يميت وقال قتادة (ما يُبْدِئُ) و (ما يُعِيدُ) ما يخلق وما يبعث ، وقال غيره : (ما يُبْدِئُ الْباطِلُ) أي ما يبتدي بحجة و (ما يُعِيدُ) ما يحكي عن غيره حجة «ما» الأولى في موضع نصب يبدئ ، و «ما» الثانية في موضع نصب بيعيد. قال أبو إسحاق : والأجود أن تكون «ما» نافية.
(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) شرط وجوابه ، وكذا (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) فإن جعلت «ما» بمعنى الذي كانت الهاء محذوفة ، وإن جعلتها مصدرا لم يحتج إلى عائد (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) أي يسمع ممن دعاه قريب الإجابة له.
(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) حذف جواب «لو» قال أبو إسحاق : المعنى : ولو ترى إذ فزعوا لرأيت ما يعتبر به عبرة شديدة أي فلا فوت لهم أي فلا يمكنهم الفوت.
وقرأ أبو عمرو والكسائي والأعمش وحمزة (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) (١) بالهمز وأبو عبيد يستبعد هذه القراءة ، لأن «التناؤش» البعد فيكون فكيف يكون وأنّى لهم البعد من مكان بعيد. قال أبو جعفر : والقراءة جائزة حسنة ولها وجهان في كلام العرب ولا يتناول بها هذا المتناول البعيد ، فأحد الوجهين أن يكون الأصل غير مهموز ثم همزت الواو لأن الحركة فيها خفية وذلك كثير في كلام العرب ، وفي المصحف الذي نقلته
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٤٧ ، والبحر المحيط ٧ / ٢٨٠.