لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً* وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٧٣ ـ ٧٤ : الإسراء) ـ وهاتان الآيتان تردّان الخبر الذي رووه ، لأن الله تعالى ذكر أنّهم كادوا يفتنونه حتى يفترى ، وأنه لو لا أن ثبّته الله ـ لكاد يركن إليهم.
«فمضمون هذا ومفهومه ، أن الله تعالى عصمه من أن يفترى ، وثبته حتى لم يركن إليهم قليلا ، فكيف كثيرا؟ وهم ـ أي الرواة ـ يروون فى أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء ، بمدح آلهتهم ، وأنه قال صلىاللهعليهوسلم : افتريت على الله وقلت ما لم يقل ، وهذا ضدّ مفهوم الآية ، وهى تضعف الحديث ، لو صحّ ، ولا صحة له .. وهذا مثل قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) (١١٣ : النساء).
وقد روى عن ابن عباس : «كل ما فى القرآن «كاد» فهو لا يكون» قال الله تعالى : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) ولم يذهب ـ به ـ بصر أحد .. (أَكادُ أُخْفِيها) ولم يفعل!
قال القشيري القاضي : «ولقد طالبته قريش وثقيف إذ مرّ بآلهتهم أن يقبل بوجهه إليها ، ووعدوه الإيمان به إن فعل ، فما فعل ، وما كاد ليفعل».
[المأخذ الثاني]
التسليم بصحة الحديث :
ثم يناقش القاضي عياض هذه القضية ، من جانبها الآخر ، وهو فرض التسليم بصحة الحديث ، فيقول : «وأما المأخذ الثاني ، فهو مبنى على تسليم الحديث ، لو صحّ ، وقد أعاذنا الله من صحته ، ولكن على كل حال ، فقد أجاب