تلك هى القصة ، أو الأكذوبه ، كما جاءت فى كتب السير ، وعلى ألسنة القصاص ، ونقلها المفسّرون ، وتداولها اللاحق منهم عن السابق ، وذلك أسلوب من أساليب دفعها ، وتكذيبها.
والقصة أو الأكذوبة ـ كما ترى ـ مهلهلة النسج ، واهية البناء ، أراد مخرجوها أن يخفوا عوارها ، ويداروا هزالها ، فألقوا إليها كثيرا من الرقع ، حتى لكاد يختفى الأصل ، ولا يرى منها إلا تلك المرقعات التي أضيفت إليها!
فالمادّة التي تخلّقت منها القصة ، مادة فاسدة ، لا يتخلّق منها شىء يصلح أن يعيش فى الحياة ، وأن يكتب له بقاء فى عالم الأحياء.
ونسأل : ما مضمون هذا الخبر فى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ).
أليس من معنى هذا أن التمني ليس حالا واحدة تعرض للنبىّ فى حياته ، وإنما هى أمنيات تعيش مع النبي أو الرسول حياته كلها ، وأنه كلّما تمنّى أمنية ألقى الشيطان فيها؟.
فكيف لا يلقى الشيطان فى أمنية النبىّ إلا فى هذه المرة؟ وماذا يحول بينه وبين أن يلقى فى كل أمنيّة للنبىّ؟ أليس هذا مما يتمناه الشيطان ، ويعمل له جهده لو استطاع إليه سبيلا؟.
وأكثر من هذا ، فإن الذين يقولون بقصّة الغرانقة العلا ، يذهبون إلى أن التّمنى ، ليس معناه من الأمانىّ ، وإنما معناه القراءة ، ويستشهدون لذلك بهذا البيت اليتيم من الشعر ، وهو من قول حسان بن ثابت فى عثمان رضى الله عنه.
تمنّى كتاب الله أول ليله |
|
وآخره لاقى حمام المقادر |