والباء فى (بِأَنَّ) «للسببية» ..
والمعنى : أن مقابلة العدوان بالعدوان ، هو لدفع بأس الناس بعضهم عن بعض ، الذي لولاه لفسد نظام المجتمع ، ولتسلّط الأشرار على الأخيار ، كما يقول سبحانه وتعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) (٤٠ : الحج)
والآية ردّ على تلك الفلسفة المريضة ، التي ترى فى مثل هذا الدّفع إكثارا من إراقة الدماء ، وإغزاء للناس بالانتقام ، الذي يولد كثيرا من مواليد الشر والنقمة ويرون أن المثالية تدعو إلى الأخذ بدعوة السيد المسيح ـ عليهالسلام ـ فى قوله : «من ضربك على خدّك الأيمن فأدر له خدّك الأيسر» .. ففى قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) ردّ على هذا التفكير السقيم ، ودحض لتلك الفلسفة المريضة ، وذلك بالإشارة إلى نظام الوجود ، وأنه قائم على التدافع بين الخير والشر ، والشرّ والخير ، تماما كما يدفع الليل النهار ، ويدفع النهار الليل .. فلو أنه سكن النهار إلى دفع اللّيل له ، ولم يدفعه كما دفعه لما طلع نهار أبدا ، ولا ختفى إلى يوم القيامة ، ولساد الدنيا ظلام دامس إلى الأبد.
فمن سنّة الله فى الحياة أن يغرى الأشرار بالأخيار ، فتنة وابتلاء ، ثم لا يدع الأخيار لأيديهم ، بل يدعوهم إلى أن يأخذوا بحقّهم منهم ، وأن يدفعوهم عنهم ، حتى يسفر وجههم ، ويبرز وجودهم ..
قوله تعالى :
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).