أيديهم كتاب سماوىّ يدعوهم إلى عبادتها ، أو يكون معهم عقل دلّهم عليها ، وأراهم منها ما تستحق به أن تؤلّه وتعبد .. ثم كشفت الآيات بعد ذلك عن موقف هؤلاء المشركين عند استماعهم لآيات الله إذا تلاها عليهم قال .. إنهم يضيقون بها ، حتى لتكاد تختنق أنفاسهم منها ..
وهنا فى هذه الآية ، يضرب الله سبحانه وتعالى لهم مثلا مجسما ، يمكن أن يوضع موضع التجربة والاختبار من الناس ، وخاصة المشركين ، وهو أن يدعوا هذه الآلهة جميعها إلى أن يخلقوا كائنا من أضأل مخلوقات الله ، وهو الذباب .. فإن فعلوا ـ ولن يفعلوا ـ فليكن لهم أن يجعلوها آلهة ، وأن يعبدوها كما يعبد الله .. وإن لم يخلقوا جناح ذبابة ـ وهو ما تكشف عنه التجربة ـ فإن عبادتهم لها بعد ذلك ، ضلال فى ضلال : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ؟ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩١ ـ ١٩٢ : الأعراف).
هذا ، وقد مرّ تفسير هذه الآية فى أول هذه السورة ، فى مبحث [الخالق وما خلق].
قوله تعالى :
(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
أي أن هؤلاء المشركين ، قد جهلوا قدر الله ، ونظروا إليه كما ينظرون إلى ما يكبر فى صدورهم ، من مخلوقات ومصنوعات .. فلم يجاوزوا بقدر الله ما يرفعه فوق هذه المعبودات ، ويجعلها جميعا عابدة له ، خاضعة لتصريفه فيها ، بل إن ظنّهم بالله ، جعلهم يجعلونه إلها فى مجمع هذه الآلهة ، ومن أحسن الظنّ منهم بالله ، جعله إلها على رأس هذه الآلهة ، تشاركه الملك والتدبير ، وأن لهم بهذا أن يقربوهم إلى الله ، وينزلوهم منازل الرضوان عنده ، وقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (٣ : الزمر).