منه ، ومن أهله جميعا ..
ففى زورة للرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لآل أبى بكر ، وهم فى هذه المحنة القاسية ، وفى أثناء حديث مرير ، حرج ، مزعج ، بين رسول الله ، وبين أم المؤمنين ـ تهبّ على هذا الجمع الكريم ريح طيبة ، كأطيب ما يكون الطيب ، ويخلص إلى نفوس الجمع منها ، أنفاس عطرة ، تشيع السكينة ، والأمن ، والرضا ، فيجد لها كل من ضمه هذا المجلس الطيّب فى رحاب هذا البيت الكريم ـ نغما علويا ، يصدح بألحان مسعدة ، تزفّ بين يديها آيات الله محمولة على أجنحة نورانية ، ترف حول رسول الله ، وتوشك أن تشتمل عليه ..
ويمسك القوم عن الحديث بعد أن اتصل رسول السماء بالنبيّ ، وتسكن الجوارح ، وتبهر الأنفاس ، وتتعلق الأبصار برسول الله ، وما غشيه من هذا النور المتدفق من السماء ..
ويأخذ الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما يأخذه من الوحى ، والقلوب واجفة ، والأبصار زائغة. والنفوس قلقة .. لا يدرى أحد ما جاءت به السماء ، وما يكون لها من حديث عن هذا الحدث الصاعق! وإن كانت السيدة عائشة على إيمان وثيق بربّها ، وعلى ثقة مطلقة بطهرها ، وبراءتها ـ فإنها ما كانت تتوقع ـ كما كانت تحدث عن نفسها فيما بعد ـ أن ينزل فى شأنها قرآن ، وأن تتنزل من السماء آيات تزكّيها ، وتدمغ الباغين عليها!.
فلما انفصل الوحى عن رسول الله ، وسرّى عنه ـ نطق وجهه الكريم بشرا ، ونورا ، قبل أن ينطق لسانه بما نزل على قلبه من كلمات ربه .. وعرفت السيدة عائشة ، ومن معها أن قرآنا قد نزل ببراءتها .. وما هى إلا لحظة ـ مرت كأنها دهر ـ حتى أقبل رسول اللهصلىاللهعليهوسلم على عائشة قائلا : «أبشرى يا عائشة. أما الله عزوجل فقد برّأك»!! فقالت : بحمد الله لا بحمدك!