الباردة ، فجمدت العقول وتحجرت وأصبح الإيمان بأن الزواج بالمكتوب ، والطلاق بالمكتوب ، وحتى الزنا فهو مكتوب إذ يقولون : مكتوب على كل فرج اسم ناكحه ، وكذلك شرب الخمر ، وقتل النفس وحتى الأكل والشرب ، فلا تأكل ولا تشرب إلا ما كتبه الله لك!
قلت لبعض علمائنا بعد استعراض كل هذه المسائل : إن القرآن يكذّب هذه المزاعم ، ولا يمكن للحديث أن يناقض القرآن! قال تعالى في شأن الزواج (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (١) فهذا يدل على مرتبة الاختيار وفي شأن الطلاق (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (٢) وهو أيضاً اختيار وفي الزنا قال (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٣) وهو أيضاً دليل الاختيار وفي الخمر قال (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٤) وهي أيضاً تنهى بمعنى الاختيار.
اما قتل النفس فقد قال فيها : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) (٥) وقال : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٦) فهذه أيضاً تفيد الاختيار في القتل.
وحتى بخصوص الأكل والشرب فقد رسم لنا حدوداً فقال : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٧) فهذه أيضاً بالاختيار.
فكيف يا سيدي بعد هذه الأدلة القرآنية تقولون بأن كل شيء من الله
__________________
(١) سورة النساء آية ٣
(٢) سورة البقرة آية ٢٢٩.
(٣) سورة الإسراء آية ٣٢.
(٤) سورة المائدة آية ٩١.
(٥) سورة الأنعام آية ١٥١.
(٦) سورة النساء آية ٩٣.
(٧) سورة الأعراف آية ٣١.