أن الأشعرى هو الّذي وضع أساس المذهب السائد اليوم باسم «الأشاعرة» وقد حملهم ذلك على التماس أسباب نجاح الأشعرى فى غير مذهبه ، فردوا ذلك النجاح الى مركز أسرته ، وشخصيته الروحية ، وقدرته على الجدل ، وكراهة الشعب للمعتزلة ، ورغبة الأمة فى أن ترى من أبنائها من يقارعهم بالحجة ويهزمهم بالمنطق والبرهان. كما حملهم ذلك على الحكم بوجود هوة سحيقة بين مذهب الأشعرى ومذهب الأشاعرة رغم ادعاء هؤلاء الآخرين أنهم أتباعه المخلصون وتلاميذته الموحيون. ولكن البعض الآخر من الباحثين لم يقتصر على «الابانة» فى دراسته ، بل استثار فى ذلك ما كتبه الثقات من العلماء كالباقلانى والشهرستانى عن مذهبه ، ومن هؤلاء المستشرق الهولندى «فنسنك» الّذي وضع الصورة المأخوذة من «الابانة» عن مذهبه ، الى جانب الصور العقلية التى رواها هؤلاء العلماء عنه ، ثم تساءل فى النهاية : أيمكن أن يكون الأشعرى ذا وجهين ، أم أن أتباعه قد تقولوا عليه؟ ثم رجا فى النهاية أن يوجد من كتابات الأشعرى نفسه ما يؤيد تلك الصورة التى رواها أتباعه عنه والتى تصرح «بالتنزيه أو الكسب» حتى يتضح مذهبه ويقوى تعليله ويكون جديرا بشهرته ومركزه ، فتتجلى لنا تلك الشخصية التى ينسب إليها أنها وحدها التى مكنت الاسلام من اتخاذ طريق وسط بين النقل والعقل ، أو بعبارة أخرى بين الحشوية والمعتزلة.