القبول وهو أن الصورة السلفية التى يصورها «الابانة» قد صدرت أولا ، وأن الصورة العقلية التى يصورها «اللمع» قد صدرت أخيرا وأنها كانت تحديدا لمذهب الأشعرى فى وضعه النهائى الّذي مات صاحبه وهو يعتنقه ويعتقد صحته ويدافع عنه ويرضاه لأتباعه. وأسباب هذا الترجيح عندى كثيرة ؛ فمنها ما هو نفسى ، ومنها ما هو علمى ، ولعل مما يعود الى الأسباب النفسية أننا نرى الأشعرى فى كتاب «الابانة» أشرق ، أسلوبا وأكثر تحمسا وأعظم تحاملا على المعتزلة وأكثر بعدا عن آرائهم. وهذه مظاهر نفسية يجدها المرء فى نفسه تجاه رأيه الّذي يتركه ابان تركه أو بعيد التنازل عنه. أما من الناحية العلمية فحسب القارئ أن يراجع بابا مشتركا فى الكتابين ليرى أن كتاب «اللمع» فى ذلك الباب قد أحاط بمسائله وأجاد فى عرض أدلته ، وأفاض فى اعتراضات خصومه وأحسن فى الرد عليها ؛ مما يدل على أن «كتاب اللمع» لم يكتب الا فى الوقت الّذي نضج المذهب فيه فى نفس صاحبه ، وأنه لم يصوره فى هذا الكتاب الا بعد أن ألفه وأصبح واضحا عنده ويشاركنى فى هذا الرأى «فنسنك» وغيره من الباحثين.
ولكن اذا سلمنا بوجود التخالف بين الصورتين فهل يعنى ذلك الاعتراف بتناقضهما؟
الواقع أننى لا أرى أى تناقض بين الصورة التى يحددها