وأمثالها. فإن خادمك ضعيف كليل الطرف عن المطالعة فيها ، فأطلب من سيدي وأستاذي مختصرا أقرؤه كل يوم وأعمل بما فيه إلى آخر ما قال ، فكتب الشيخ في رده الكتاب الآتي وأرسله إليه وهو قوله رضي الله عنه.
اعلم أيها الولد العزيز ، والصاحب المخلص أطال الله بقاءك في طاعته وسلك بك طريق أحبابه. أن جميع نصائح الأولين والآخرين مجموعة في أحاديث سيد المرسلين صلىاللهعليهوسلم لأنه هو الذي أوتي جوامع الكلم ، فكل ناصح مهما نصح فهو متطفل على موائد نصحه صلىاللهعليهوسلم : (فإن وصلك شيء من النصائح النبوية فلا حاجة لك إلى نصائحي. وإن لم يصل إليك شيء منها فقل لي ما الذي حصلته من علومك فيما أمضيته من عمرك الذي ضيعته سدى).
أيها الولد : كل نصائح الأولين والآخرين في مقالات سيد المرسلين مكتوبة للعالمين ، وكل منها يفيد فائدة تامة. فمنها هذا الحديث وهو : «علامة إعراض الله عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه ، وإنّ امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن يطوّل عليه حسرته ، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شرّه فليتجهّز إلى النّار». فهذه النصيحة والموعظة كافية لأهل الدنيا.
يا ولدي : فعل النصيحة سهل والصعوبة في قبولها والعمل بها لأن طعم النصيحة في فم عابد الهوى مر والمنهيات محبوبة على العموم. خصوصا عند من يبذل همته في طلب علوم الرسم والفضل والمهارة ونحوها لاكتساب العزّ والشرف الدنيوي لأنه إنما يقصد بتحصيل العلوم مجرد العلم دون العمل له لينسب إليه العلم ويقال : فلان عالم فاضل فهذه عقيدة فاسدة وهذا القدر هو (نهاية مذهب الفلاسفة) والعياذ بالله إذ غايتهم تحصيل العلم بدون التفات إلى العمل ، ولم يعلموا أن العلم يكون عليهم حجة بالغة وهم في غفلة عن قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه».
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن منصور بن زاذان قال : «بلغنا أن العالم إذا لم ينتفع بعلمه تصيح أهل النار من نتن ريحه ويقولون له : ما ذا كنت تفعل يا خبيث ، فقد آذيتنا بنتن ريحك. أما يكفيك ما نحن فيه من الأذى والشر؟ فيقول لهم : كنت عالما فلم أنتفع بعلمي».
وحكي أن بعض أكابر أصحاب الجنيد رآه في نومه بعد وفاته فقال : ما فعل الله بك؟ قال : طاحت تلك الإشارات ، وغابت تلك العبارات ، وفنيت تلك العلوم ، ونفذت تلك الرسوم ، وما نفعنا إلا ركيعات ، كنا نركعها في جوف الليل.
أيها الولد : ينبغي أن لا تكون مفلسا من الأعمال خاليا من الأحوال والمعاني الشريفة العالية ، واعلم يقينا أن العلم بمجرده لا يأخذ بيدك يوم القيامة ويتضح لك هذا بضرب مثال ، أرأيت لو أن رجلا يحسن الحرب بينما هو يسير في مفازه ومعه عشرة سيوف هندية وقسي وسهام في غاية الجودة ، وقد تقلد بها إذ فاجأه أسد عظيم هل تدفع عنه هذه الأسلحة بمجردها