الخامس : أن يكون له مرشد ومرب ليدله على الطريق ويرفع عنه الأخلاق المذمومة ، ويضع مكانها الأخلاق المحمودة. ومعنى التربية أن يكون المربي كالمزارع الذي يربي الزرع ، فكلما رأى حجرا أو نباتا مضرا بالزرع قلعه وطرحه خارجا ويسقي الزرع مرارا إلى أن ينمو ويتربى ، ليكون أحسن من غيره ، وإذا علمت أن الزرع محتاج للمربي علمت أنه لا بدّ للسالك من مرشد مرب البتة ، لأن الله تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للخلق ليكونوا دليلا لهم ويرشدهم إلى الطريق المستقيم. وقبل انتقال المصطفى عليه الصلاة والسّلام إلى الدار الآخرة قد جعل الخلفاء الراشدين نوّابا عنه ليدلوا الخلق إلى طريق الله ، وهكذا إلى يوم القيامة ، فالسالك لا يستغني عن المرشد البتة.
وشرط المرشد أن يكون عالما ، لكن ليس كل عالم يصلح للإرشاد ، بل لا بدّ أن يكون عالما له أهلية صناعة الإرشاد ، ولهذا المرشد علامات ونحن نذكر لك ما لا بدّ له منهما بطريق الإجمال حتى لا يدعي الإرشاد كل متحير.
فالمرشد هو الذي يكون قد خرج من باطنه حب المال والجاه وتأسس بنيان تربيته على يد مرشد كذلك ، وهلم حتى تنتهي السلسلة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وذاق بعض الرياضيات كقلة الأكل والكلام والنوم ، وكثرة الصلاة والصدقة والصوم ، واقتبس نورا من أنوار سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، واشتهر بالسيرة الحسنة والأخلاق المحمودة من صبر وشكر وتوكل ويقين وطمأنينة وسخاء وقناعة وأمانة وحلم وتواضع ومعرفة وصدق ووقار وحياء وسكون وتأن وأمثالها ، وتطهر من الأخلاق الذميمة كالكبر والبخل والحسد والحقد والحرص والأمل الطويل والطيش ونحوها ، وسلم من تعصب المتعصبين ، واستغنى عن علم المكلفين بالعلم المتلقى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فالاقتداء بمثل هذا المرشد هو عين الصواب والظفر بمثله نادر لا سيما في هذا الزمان ، فإنه كثر فيه من يدعي الإرشاد وهو في الحقيقة يدعو الناس إلى اللهو واللغو ، بل ادعى كثير من الملحدين الإرشاد بمخالفة الشريعة وبسبب غلبة هؤلاء المدعين اختفى المرشدون الحقيقيون في أركان الزوايا وبما ذكرناه علم بعض علامات المرشد الحقيقي ، حتى أنه من وجد متخلفا بها علم أنه من المرشدين ، ومن لم يكن متخلفا بها علم أنه من المدعين ، فإن تحصل أحد على مثل هذا المرشد وقبله المرشد وجب عليه احترامه ظاهرا وباطنا.
فالاحترام الظاهري ألا يجادله ولا ينكر عليه ولا يقيم الحجة عليه في أي مسألة ذكرها. وإن تحقق خطأه ، وأن لا يظهر نفسه أمام المرشد بفرش السجادة إلا أن يكون إماما ، فإذا فرغ من الصلاة ترك السجادة تأدبا معه ، وأن لا ينتقل كثيرا في حضرته ، وأن يفعل كل ما أمره به قدر استطاعته ، وأن لا يسجد له ولا لغيره لأنه كفر ، وأن يبالغ في امتثال أمره ولو كان ظاهره في صورة المعصية.
والاحترام الباطني أن كل ما سلمه له في الظاهر لا ينكره في الباطن وإلا كان منافقا ، فإن لم يقدر على ذلك ترك صحبته حتى يكون ما في باطنه موافقا لما في ظاهره لأنه لا فائدة في الصحبة مع الإنكار ، بل ربما تكون سببا في هلاكه.