وما تحصلوا عليه حفظوه وفرحوا به لظنهم أنهم تحصلوا على شيء ، ثم نظرت في قوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل : ٩٦]. فما حصلته وجمعته في سنين تصدقت به على الفقراء وجعلته وديعة عند الله ليكون لي عنده باقيا وزادا مدخرا لآخرتي قال شقيق : أحسنت.
الرابعة : إني نظرت في هذا العالم فرأيت قوما يظنون أن شرف الإنسان وعزه بكثرة الأقارب والعشائر ويفتخرون بها. وقوما يظنون أن شرف الإنسان وكبرياءه بكثرة الأموال والأولاد فافتخروا بها ، وبعضا يظنون أن العزّ والشرف بالغضب والسب والضرب وسفك الدماء فافتخروا بذلك ، ونظرت في قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣]. فعلمت أن القرآن حق ، وأن ظنون الخلق خطأ ، فاخترت التقوى حتى أكون عند الله من المكرمين قال شقيق : أحسنت.
الخامسة : نظرت إلى هذا الخلق فرأيت قوما يبغض ويحسد بعضهم بعضا بسبب حب المال والجاه ، وإني نظرت في قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [الزخرف : ٣٢]. وإني علمت أن هذه القسمة ثابتة في الأزل لا اختيار لأحد فيها فما حسدت أحدا بعد ورضيت بقسمة البارئ تعالى واصطلحت مع أهل الدنيا. قال شقيق : أحسنت.
السادسة : نظرت إلى هذا العالم فرأيت بعضهم يعادي بعضا بسبب أغراض نفسانية ووساوس شيطانية ، ونظرت في قوله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر : ٦]. وعلمت أن القرآن حق وأن غير الشيطان واتباعه لا يكون عدوا فاتخذت الشيطان عدوي ولم أطعه في أمر ما ، وامتثلت أمر الله تعالى وراقبت عظمته ولم أعاد أحدا من خلقه وعلمت أن الصراط المستقيم في قوله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس : ٦٠. ٦١]. قال شقيق : أحسنت يا حاتم.
السابعة : نظرت في هذا العالم فرأيت كل واحد يصرف غاية جهده وقد أذل نفسه في تحصيل القوت ، وبسبب ذلك قد وقعوا في الحرام والشبهات ، ونظرت في قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦]. وفي قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩]. فعلمت أني أحد الدواب في الأرض وأن رزقي مضمون منه تعالى ، وأني مكلف بالسعي في طلب الآخرة فاشتغلت بالخالق قال شقيق : أحسنت.
الثامنة : نظرت إلى هذا الخلق فرأيت بعضا يعتمد على ماله وملكه وبعضا يعتمد على حرفته وصناعته ، وبعضا يعتمد على مخلوق مثله ، وتأملت في قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : ٣]. فتوكّلت على الله تعالى وهو حسبي ونعم الوكيل. قال شقيق : أحسنت يا حاتم ، وفّقك الله تعالى ، إني نظرت في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فوجدت ما في الكتب الأربعة لا يخرج عن هذه الفوائد الثمانية ، والذي يعمل بها كأنه عمل بما في الكتب الأربعة. وبهذه الحكاية صار معلوما لك أنك لا تحتاج إلى كثرة العلم ، ولنرجع الآن إلى ما نحن فيه ونذكر لك مما يجب في حق سالك طريق الحق.