كلّ العداوة قد ترجى إزالتها |
|
إلّا عداوة من عاداك من حسد |
وتدبيره : أن تتركه بمرضه وتعرض عنه عملا بقوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) [النجم : ٢٩]. فإذا تعرضت له واشتغلت بمداواته فقد أشعلت نار حسده التي هي مما يحبط الأعمال ، كما في الحديث «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب».
الثاني : أن تكون العلة من الحماقة وهذا لا يمكن علاجه لقول عيسى عليهالسلام : (ما عجزت عن إحياء الموتى ولكن عجزت عن إصلاح الأحمق). وهذا هو الذي اشتغل يومين أو ثلاثة بتحصيل العلم ولم يشرع في العلوم العقلية أصلا ، ومع هذا يعترض على العلماء الذين صرفوا عمرهم في تحصيل العلوم ولم يعلم أن الاعتراض على العالم العظيم من طالب صغير لا يكون إلا من الجهل وعدم المعرفة ، فهذا لم يعرف قدر نفسه ولا قدر هذا العالم من حماقته وعدم معرفته ، فينبغي أن تعرض عن هذا أيضا ولا تشتغل بجوابه.
الثالث : أن يكون السائل مسترشدا ليس فيه أهلية لفهم كلام الأكابر لقصور فهمه عنه ، ويسأل عن جهة الاستفادة عن غوامض الأمور التي يكون قاصرا عن إدراك حقائقها ، ولا يرى قصور فهمه فلا تشتغل بجوابه أيضا ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «نحن معاشر الأنبياء أمرنا بأن نكلم الناس على قدر عقولهم».
الرابع : أن يكون مسترشدا ذكيا لبيبا عاقلا ليس مغلوب الغضب والشهوة والحسد وحب المال والجاه ، بل طالبا لطريق الحق ، سائلا من غير تعنت ، فهذا المريض يمكن علاجه فالاشتغال بجوابه لائق بل واجب.
الثاني : أن تحترز من الوعظ والتذكير إلا أن تعلم أنك علمت أولا بما تقول مؤملا قبل أن تتكلم. قال الله تعالى لعيسى عليهالسلام : «يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني». فإن كنت كذلك وابتلاك الله بالوعظ فاحترز من شيئين : الأول أن تحترز من التكلف في الكلام بالعبارات والإشارات والشطحات والأشعار ، لأن الله تعالى يعد المتكلفين في الكلام أعداء له لأن التكلف يدل على خراب باطن صاحبه وغفلة قلبه ، مع أن المقصود من التذكير استحضار مصائب الآخرة والتقصير في خدمة المولى جلّ وعلا ، فتأمل في العمر الماضي والعقبات التي في الطريق حتى تخرج من الدنيا بسلامة الإيمان وتنجو من هول قبضة ملك الموت وسؤال منكر ونكير ورد جوابهما.
وأيضا تأمل في هول القيامة وموافقها وحسابها والميزان والعبور على الصراط والنار ومصائبها ، فهذا هو الذي ينبغي تذكره وتذكير الخلق به وتطلعهم على تقصيرهم وعيوبهم لأجل أن توقع في قلوب أهل المجلس خوف حرارة النار ومصائبها ، ليتذكروا تفريطهم في الزمن الماضي بالندم عليه والتحسر على ضياع العمر الذي انقضى بغير طاعة.
فالجملة المذكورة بالكيفية المتقدمة يقال لها وعظ مع عدم التكلف في الكلام بالفصاحة والتسجيع