وغير ذلك ، لأن مثل الواعظ كمثل صاحب بيت فيه عياله ، وقد جاء السيل وهو يخاف أن يأخذ البيت ويغرق الأولاد وينادي الحذر الحذر ، يا أهل البيت اهربوا لأن السيل وصلكم ، فهذا الرجل في هذه الحالة لا يقول الكلام بالتكلف والعبارات والتسجيع والإشارات ، فمثل الواعظ للخلق يكون هكذا ، وينبغي ألا يميل قلبك حال وعظك إلى صراخ الصارخين وبكاء الباكين وغوغاء أهل المجلس بقولهم : إن هذا الواعظ حسن الوعظ والمجلس ، لأن هذا الميل يتولد عن الغفلة ، بل ينبغي أن يكون ميله حال الوعظ إلى تحويلهم عن الدنيا إلى الآخرة ، وعن المعصية إلى الطاعة ، وعن الغفلة إلى التيقظ ، وعن الغرور إلى التقوى ، وأن يكون كلامه في علم الزهد والعبودية وأن ينظر إلى رغبتهم هل هي خلاف رضى الخالق أو لا ، وإلى ميل قلوبهم هل هو خلاف الشرع أو لا ، وإلى أعمالهم وأخلاقهم الذميمة والحميدة أيهما أغلب ، والذي خوفه غالب فيرجعه إلى الرجاء ، والذي رجاؤه غالب فيرجعه إلى الخوف بكيفية يتصرفون بها من المجلس بحيث لم يبق معهم صفات ذميمة ظاهرا وباطنا ، ويتصفون بالصفات الحميدة. ويرغبون ويحرصون على الطاعات التي تكاسلوا عنها ، ويكرهون المعاصي التي كانوا يحرصون عليها وكل وعظ لم يكن ولم يقل هكذا يكون وبالا على الواعظ والموعوظ ، بل يكون الواعظ غولا وشيطانا لأنه يضل الناس عن طريق الحق ويهلكهم هلاكا أبديا ، ويجب على الخلق أن يهربوا منه ، لأن الفساد الذي يفعله لا يقدر الشياطين أن يفعلوه ، وكل من له يد القدرة يجب عليه أن ينزله عن المنبر ليدفعه لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الثالث : ألا تميل إلى الملوك والأمراء والحكام ولا تخالطهم ولا تجالسهم بل ولا تنظر إليهم ، لأن في مخالطتهم ومجالستهم آفات كثيرة ، وإن ابتليت برؤيتهم ومجالستهم فاترك مدحهم وثناءهم ، وإذا جاءوا لزيارتك فسبيلك أن يكون هكذا ، فإن الله يغضب إذا مدح الفاسق والظالم. ومن دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصي الله تعالى في أرضه.
الرابع : ألا تقبل منهم شيئا وإن علمت أنه حلال ، لأن الطمع في مالهم يكون سببا لفساد الدين والمداهنة والمحاباة ومراعاة جانبهم والموافقة في ظلمهم ، ويتولد منها فسقهم وفجورهم ، وهذا كله هلاك في الدين وأقل مضرة يتولد منها أن تحبهم ، وكل من يحب أحدا يحب طول عمره ، وإذا أحب طول عمره أحب طول ظلمه وخراب العالم. ونسأل الله الأمان من أن يضللك الشيطان عن طريق الحق لأنه يقول لك الأولى أن تأخذ منهم الدراهم وتعطيها للدراويش وتريح المساكين بصرفها عليهم ، لأنك تصرفها في الضرورة وأبواب الخير ، وأما هو فيصرفها في الفسق والفجور ، لأن الشيطان بهذا الطريق سفك دماء خلق كثير. وآفات الطمع كثيرة ذكرتها في كتابنا إحياء العلوم فاطلبها هنا. يا ولدي ، اجتنب هذه الأربعة التركية.
وأما الفعلية فأربعة أيضا ولا بدّ أن تعمل بها.
الأول : يلزمك أن تؤدي ما أمرك الله تعالى به مثل ما تحب أن يؤدي عبدك ما أمرته به ، وأنت راض عنه وكل شيء لا ترضى بفعله من عبدك فلا ترضى عن نفسك بفعله في تحقق