عبوديتك لله تعالى ، ومع ذلك فليس هو عبدك حقيقة لأنك اشتريته بالدراهم وأنت في الحقيقة عبد لله لأنك مخلوق له وهو خالق لك.
الثاني : أن تعامل الخلق بما تحب أن يعاملوك به. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يكمل إيمان العبد حتّى يحبّ لسائر النّاس ما يحبّ لنفسه».
الثالث : أن تشتغل بالعلم النافع في الواقع ونفس الأمر وهو الذي لو علمت أنه بقي من عمرك أسبوع لم تشتغل بسواه ، ومن المعلوم أنه إذا كان كذلك لا تشتغل بعلم النحو والصرف والطب وأمثالها ، لأنك تعلم أن هذه العلوم لا تنفع في إغاثتك ، بل تشتغل بمراقبة قلبك ومعرفة صفاته فتشتغل بتطهيره من الأخلاق الذميمة وعلائق الدنيا وتحليته بالأخلاق الحسنة ومحبة الحق وتشتغل بالعبادة.
يا ولدي : اسمع كلمة واحدة وتأمل في حقيقتها واعمل بها تجد فيها خلاصك ونجاتك إليه. إن أخبرت أن السلطان قاصد زيارتك في هذا الأسبوع مثلا ، فأنا أعلم أنك لا تشتغل في هذا الأسبوع بشيء غير إصلاح ما تعلم أن عين السلطان تقع عليه. إذا علمت ما ذكرناه تحققت بالأولى أنه لا ينبغي لك إلا أن تشتغل بإصلاح ما تعلم أنه محل نظر الله تعالى وهو القلب. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونيّاتكم». وإن أردت أن تعلم علم أحوال القلوب فاطلبه من كتابي (إحياء العلوم) ، وسائر تصانيفي ، وهذا فرض عين على كل مسلم وباقي العلوم فرض كفاية ، إلا أن تعلم بقدر ما تتحصل به على امتثال الأوامر واجتناب النواهي.
الرابع : أن تدخر لعيالك من القوت ما لا يزيد على السنة لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأزواجه : «اللهمّ اجعل رزق آل محمّد كفافا» ولم يقل ذلك لكل أزواجه. بل قال لمن لم يكن لهن قوة اليقين. أما مثل السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها فلم يرتب لها قوت سنة ولا يوم.
يا ولدي : جميع ما طلبته مني كتبته لك في هذه الرسالة ، فينبغي أن تعمل بكل ما فيها ، وفي أثناء عملك اذكرني بصالح دعائك ، أما ما طلبته من الأدعية فمذكورة في الصحاح وتاريخ أهل البيت فاطلبها هناك واذكر لك هذا الدعاء فاقرأه على الدوام خصوصا عقب الصلوات وهو :
اللهم إني أسألك من النعمة تمامها ، ومن العصمة دوامها ، ومن الرحمة شمولها ، ومن العافية حصولها ، ومن العيش أرغده ، ومن العمر أسعده ، ومن الإحسان أتمه ، ومن الإنعام أعمه ، ومن الفضل أعذبه ، ومن اللطف أقربه ، ومن العمل أصلحه ، ومن العلم أنفعه ، ومن الرزق أوسعه ، اللهم كن لنا ولا تكن علينا ، اللهم اختم بالسعادة آجالنا ، وحقق بالزيادة أعمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا ، واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا ، واصبب سجال عفوك على ذنوبنا ، ومنّ علينا بإصلاح