على أن تعلمني مما علمت رشدا؟
قلت : هيهات إنك لا تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا.
قال : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا.
قلت : أتظن أني نسيت اتعاظك بنصيحة رفقائك ووالدتك ومن نبض عليه عرق من عروق التقليد فلا تصلح لصحبتي ولا أصلح لصحبتك ، فاذهب عني فهذا فراق بيني وبينك فإني مشغول بتقويم نفسي عن تقويمك ، وبالتعليم من القرآن عن تعليمك ، فلا تراني بعد هذا ولا أراك ، فلا تسع أوقاتي أكثر من هذا الإصلاح الفاسد والضرب في الحديد البارد ، وقد نصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ، والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد نبيّنا سيّد المرسلين.
فهاكم إخواني قصتي مع رفيقي تلوتها عليكم بعجرها وبجرها لتقضوا منها العجب وتنتفعوا في إثبات هذه المحادثات بالتفطن لأمور هي أجلّ من تقويم مذهب التعليم ، فلم يكن ذلك من غرضي ، ولكن إياك أعني واسمعي يا جارة ، والتماسي من المخلصين قبول معذرتي عند مطالعة هذه المحادثات فيما آثرته في المذاهب من العقد والتحليل وأبدعته في الأسامي من التغيير والتبديل ، واخترعته في المغاني من التخييل والتمثيل. فلي تحت كل واحد من ذلك غرض صحيح وسر عن ذوي البصائر صريح ، وإياكم أن تغيروا هذا النظام وتنتزعوا هذه المعاني من هذه الكسوة فقد علمتكم كيف يوزن المعقول بالإسناد إلى المنقول ليكون القول منهما أسرع إلى القبول ، وإياكم أن تجعلوا المعقول أصلا والمنقول تابعا ورديفا ، فإن ذلك شنيع منفر ، وقد أمركم الله سبحانه بترك الشنيع والمجادلة بالأحسن ، وإياكم أن تخالفوا الأمر فتهلكوا وتهلكوا وتضلوا وتضلوا ، وما ذا تنفع وصيتي وقد اندرس الحق وانكسر البثق ، وانتشرت الشناعة وطارت في الأقطار ، وصارت ضحكة في الأمصار ، فإن قوما اتّخذوا هذا القرآن مهجورا وجعلوا التعليمات النبوية هباء منثورا ، وكل ذلك من قصور الجاهلين ودعواهم في نصرة الدين منصب العارفين. وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمهتدين