بسم الله الرّحمن الرّحيم
خطبة الرسالة
الحمد لله مفيض الأنوار ، وفاتح الأبصار ، وكاشف الأسرار ، ورافع الأستار ، والصلاة على محمد نور الأنوار ، وسيد الأبرار ، وحبيب الجبار ، وبشير الغفار ، ونذير القهار ، وقامع الكفار ، وفاضح الفجار ، وعلى آله وأصحابه الطاهرين الأخيار.
أما بعد ، فقد سألتني أيها الأخ الكريم قيضك الله لطلب السعادة الكبرى ، ورشحك للعروج إلى الذروة العليا ، وكحل بنور الحقيقة بصيرتك ، ونفى عما سوى الحق سريرتك أن أبث إليك أسرار الأنوار الإلهية مقرونة بما يشير إليه ظواهر الآيات المتلوة والأخبار المروية مثل قوله تعالى: (اللهُ نُورُ السَّماواتِوَالْأَرْضِ) [النور : ٣٥]. ومعنى تشبيهه ذلك بالمشكاة والزجاجة والمصباح والزيت والشجرة مع قوله صلىاللهعليهوسلم : " إنّ لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كلّ من أدركه بصره" ، ولقد ارتقيت بسؤالك مرتقى صعبا تنخفض دون أعاليه مرامي أعين الناظرين ، وقرعت بابا مغلقا لا ينفتح إلا للعلماء الراسخين ، ثم ليس كل سر يكشف ويغشى ، ولا كل حقيقة تعرض وتجلى بل صدور الأحرار قبور الأسرار ، ولقد قال بعض العارفين إفشاء سر الربوبية كفر ، بل قال سيد الأولين والآخرين : " إنّ من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلّا العلماء بالله فإذا نطقوا به لم ينكره عليهم إلّا أهل الاغترار بالله" ، ومهما كثر أهل الاغترار بالله وجب حفظ الأسرار عن وجه الأشرار ، لكني أراك منشرح الصدر بالنور منزه السر عن ظلمات الغرور فلا أشح عليك بالإشارة إلى لوامع ولوائح والرمز إلى حقائق ودقائق. فليس الظلم في كف العلم عن أهله بأقل منه في بثه إلى غير أهله فقد قيل :
فمن منح الجهّال علما أضاعه |
|
ومن منع المستوجبين فقد ظلم |
فاقنع باشارات مختصرة ، وتلويحات موجزة فإن تحقيق القول فيه يستدعي تمهيد أصول ، وشرح فصول ليس يتسع له الآن وقتي ولا ينصرف إليه ذهني ولا همتي ، ومفاتيح القلوب بيد الله يفتحها إذا شاء كما شاء بما شاء ، وإنما ينفتح في هذا الوقت فصول ثلاثة :