الحديث أم لا ، أما الحصر إلى سبعمائة أو سبعين ألفا فذلك لا تستقل به إلا القوة النبوية مع أن ظاهر ظني أن هذه الأعداد مذكورة لا للتحديد ، وقد تجري العادة بذكر أعداد ولا يراد بها الحصر ، بل التكثير والله أعلم بحقيقة ذلك فهو خارج عن الوسع ، وإنما الذي يمكنني الآن أن أعرفك هذه الأقسام وبعض أصناف كل قسم فأقول :
القسم الأول : هم المحجوبون بمحض الظلمة وهم الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، وهم الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة لأنهم لا يؤمنون بالآخرة أصلا وهم أصناف.
الصنف الأول : تشوق إلى طلب سبب لهذا العالم فأحاله الطبع والطبع صفة مركوزة في الأجسام حالة فيها ، وهي مظلمة إذ ليس لها معرفة وإدراك ولا خبر لها من نفسها ولا تصور لها وليس لها نور يدرك بالبصر الظاهر أيضا.
الصنف الثاني : هم الذين شغلوا بأنفسهم ولم يتفرغوا لطلب السبب بل عاشوا عيشة البهائم فكان حجابهم أنفسهم المركوزة وشهواتهم المظلمة فلا ظلمة أشد من الهوى والنفس. ولذلك قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الجاثية : ٢٣]. وقال النبي صلىاللهعليهوسلم" الهوى أبغض إله عبد إلى الله" ، وهؤلاء ينقسمون فرقا : ففرقه زعمت أن غاية المطلب من الدنيا هي قضاء الأوطار ونيل الشهوات وإدراك اللذات البهيمية من منكح ومطعم ومشرب وملبس ، فهؤلاء عبيد اللذة يعبدونها ويطلبونها ويعتقدون أن نيلها غاية السعادة رضوا لأنفسهم بأن يكونوا بمنزلة البهائم بل كيلا ينظر الناس إليهم بعين الحقارة ، وهؤلاء الأصناف لا يحصون وكلهم محجوبون عن الله بمحض الظلمة وهي نفوسهم المظلمة ، ولا معنى لذكر آحاد الفرق بعد وقوع التنبيه على الأجناس ، ويدخل في جملة هؤلاء جماعة يقولون بلسانهم لا إله إلا الله ولكن ربما حمله على ذلك خوف ، أو استظهار بالمسلمين أو تجمل بهم ، أو استمداد من مالهم ، أو لأجل التعصب لنصرة مذهب الآباء ، وهؤلاء إذا لم تحملهم هذه الكلمة على العمل الصالح فلا تخرجهم من الظلمات إلى النور بل أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات فأما من أثرت فيه الكلمة بحيث ساءته سيئاته وسرته حسناته فهو خارج عن محض الظلمة وإن كان كثير المعصية.
القسم الثاني : طائفة حجبوا بنور مقرون بظلمة وهم ثلاثة أصناف : صنف منشأ ظلمتهم من الحس ، وصنف منشأ ظلمتهم من الخيال ، وصنف منشأ ظلمتهم من مقايسات عقلية فاسدة.
الصنف الأول : المحجوبون بالظلمة الحسية وهم طوائف لا يخلو واحد منهم عن مجاوزة الالتفات إلى نفسه وعن التأله والتشوق إلى معرفة ربه ، وأول درجاتهم عبدة الأوثان وآخرهم الثنوية وبينهما درجات.
الطائفة الأولى : عبدة الأوثان علموا في الجملة أن لهم ربا يلزمهم إيثاره على نفوسهم المظلمة واعتقدوا أن ربهم أعز من كل شيء وأنفس من كل نفيس ، ولكن حجبتهم ظلمة الحس عن أن يتجاوزوا المحسوس من أنفس الجوهر كالذهب والفضة والياقوت أشخاصا مصورة بأحسن الصور واتخذوها آلهة ،