بسم الله الرّحمن الرّحيم
خطبة الرسالة
الحمد لله الذي تجلى لكافة عباده بصفاته وأسمائه وتاهت عقول الطالبين في بيداء كبريائه ، وقص أجنحة الأفكار دون حمى عزته وتعالى بجلاله عن أن تدرك الأفهام كنه حقيقته. واستوفى قلوب أوليائه وخاصته واستغرق أرواحهم حتى احترقوا بنار محبته وبهتوا في إشراق أنوار عظمته ، وخرست ألسنتهم عن الثناء على جمال حضرته إلا بما أسمعهم من أسمائه وصفاته وأنبأهم على لسان رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم خير خليقته وعلى أصحابه وعترته.
أما بعد : فقد سألتني أرشدك الله عن الأخبار الموهمة للتشبيه عند الرعاع والجهال من الحشوية الضلال حيث اعتقدوا في الله وصفاته ما يتعالى ويتقدس عنه من الصورة واليد والقدم والنزول والانتقال والجلوس على العرش والاستقرار ، وما يجري مجراه مما أخذوه من ظواهر الأخبار وصورها ، وأنهم زعموا أن معتقدهم فيه معتقد السلف ، وأردت أن أشرح لك اعتقاد السلف ، وأن أبين ما يجب على عموم الخلق أن يعتقدوه في هذه الأخبار ، وأكشف فيه الغطاء عن الحق ، وأميز ما يجب البحث عنه عما يجب الإمساك والكف عن الخوض فيه ، فأجبتك إلى طلبتك متقربا إلى الله سبحانه وتعالى بإظهار الحق الصريح من غير مداهنة ومراقبة جانب ومحافظة على تعصب لمذهب دون مذهب ، فالحق أولى بالمراقبة ، والصدق والإنصاف أولى بالمحافظة عليه ، وأسأل الله التسديد والتوفيق وهو بإجابة داعيه حقيق ، وها أنا أرتب الكتاب على ثلاثة أبواب :
باب في بيان حقيقة مذهب السلف في هذه الأخبار.
وباب في البرهان على الحق فيه مذهب السلف وأن من خالفهم فهو مبتدع. وباب في فصول متفرقة نافعة في هذا الفن.
الباب الأول
في شرح اعتقاد السلف في هذه الأخبار.
اعلم : أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه.
فأقول : حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور : التقديس ، ثم التصديق ، ثم اعتراف بالعجز ، ثم