اثنتين ، فإن أصابها عثار مسحته بالرجلين اللذين تليهما ، وذلك لرقة أجنحتها ، ولأن عينيها لم يخلق لهما الهداب ، لأنهما بارزتان عن رأسها ، وجعل هذا الحيوان وما جرى مجراه مما يتعلق ببني آدم ويقع عليهم دائما وينغص عليه عيشهم ليعرفهم الباري سبحانه هوان الدنيا حتى تصغر عندهم ويهون أمر فراقها وهو وجه من وجوه الحكمة عليهم.
تأمل كثيرا من الحيوان الصغير عند ما تلمسه يعود كأنه جماد لا حراك به ، ويبقى على ذلك ساعة ، ثم يتحرك ويمشي ، وهل ذلك إلا لأن ما يصطاد إذا دلت هيئته على عدم حياته ، فإذا كان شبيها بالجماد ترك كما تترك سائر الحجارة. تأمل العقاب عند ما يصطاد السلحفاة يجدها كأنها حجر ، ولا يجد فيها موضعا لأكله ، فيصعد بها في مخالبه حتى إذا أبعد من الأرض اعتدل بها على جبل أو حجارة وأرسلها فتهشمها الوقعة فيسقط عليها فيأكلها. فانظر كيف ألهم الطريق في نيل قوته من غير عقل ولا روية.
انظر إلى الغراب لما كان مكروها خلق في طبعه الحذر لصيانة نفسه حتى كأنه يعلم الغيب فيمن يقصده ، وألهم الاحتيال في إخفاء عشه لصون فراخه وقل احتفاله بالأنثى خشية أن تشغله عن شدة حذره ، ولذلك قل أن يرى مجتمعا مع أنثى ، فهذا أبدا دأبه وحاله مع من له عقل وفطنة وتراه مع البهائم على خلاف ذلك فيقف على ظهورها ويأكل من دم البعير ، ومن أرواث الدواب وقت تبرزها ، وإذا وجد شيئا من قوته وأكل منه وشبع دفن باقيه حتى يعاوده وقتا آخر ، فما خلق هذا في طبعه ودبره بهذا التدبير العجيب إلا الله ، لأنه لا عقل له ولا روية.
انظر إلى الحدأة لما كانت مكروهة حفظت نفسها بقوة طيرانها وتعاليها وحفظت في أمر قوتها بقوة بصرها ، فإنها ترى ما تقتات به في الأرض مع علوها في الجو فتنحط نحوه بسرعة ، وألهمت معرفة من هو مقبل ، ومن هو مدبر فتخطف ما تخطفه من الناس من ورائهم. ولا تخطف مما يستقبلها لئلا يمنعها المستقبل بيديه ، وأعينت لما كان غذاؤها من هذه الوجوه بأن جعلت لها مخالب كأنها السنانير لا يكاد يسقط منها ما ترفعه ، فسبحان المدبر الحكيم.
انظر إلى الحيوان المسمى حرباء وما فيه من التدبير ، فإنه خلق بطيئا في نهضته ، وكان لا بدّ له من قوته ، فخلق على صورة عجيبة ، فخلقت عيناه تدور لكل جهة من غير حركة في جسده ولا قصد إليه ويبقى جامدا كأنه ليس من الحيوان ، ثم أعطي مع السكون وهو أنه يتشكل في لون الشجر التي يكون عليها حتى يكاد يختلط لونه بلونها ، ثم إذا قرب منه ما يصطاده من ذباب أو غيره أخرج لسانه فيخطف ذلك بسرعة خفوق البرق ، ثم يعود على حالته كأنه جزء من الشجرة ، وجعل الله لسانه بخلاف المعتاد ليلحق به ما بعد عنه بثلاثة أشبار أو نحوه ، فقد سخر له ما يصطاد به على هذه المسافة ، وإذا رأى ما يريعه ويخيفه شكل على هيئة وشكل ينفرد منه من يصطاد من الحيوان ويكرهه. فانظر هذه الأشياء التي خلقت فيه لأجل قلة نهضته فأعين بها.
انظر إلى الحيوان الذي يسمى سبع الذباب وما أعطي من الحيلة والرفق فيما يقتات به ، فإنك تجده يحس بالذباب قد وقع قريبا منه فيركد مليا حتى كأنه ميت أو جماد لا حراك به ،