سبحانه أن بعضه غذاء لبعض كثرة ، وجعل أكثر أصنافه يحمل ، ولم يجعل الحمل منه مخصوصا بالأنثى دون الذكر كحيوان البر ، بل جعل الذكر والأنثى جنسا واحدا يخلق في بطونها مرة واحدة في وقت معلوم ذريعة مجتمعة مشتملة على عدد لا ينحصر ، فيخلق من جوف واحدة عددا لا يحصى ، وذلك من كل برزة حوتا من الجنس ومن جنس آخر يخلق في الأنهار وغيرها بغير توالد فيخلق منها أعدادا لا تنحصر دفعة واحدة ، ومنه صنف يتوالد بالذكر والأنثى ، وهذا الجنس يخلق له يدان ورجلان مثل السلحفاة والتمساح وما شاكلهما فيتولد منهما بيض ، فإذا فقّس البيض بحرارة الشمس خرج من كل بيضة واحد من الجنس ، ولما علم الله سبحانه وتعالى أن السمك في البحر لا يمكن أن يحضن ما يخرج من بزره ألقى الروح في بزر جميعه عند ما يولد فيجد فيه جميع ما يحتاجه من الأعضاء عند إلقاء الروح فيه فيستقل ولا يفتقر إلى أحد في كمال خلقه ، فانظر هذه الحكمة واللطف حيث لم يمكن حضانته في البحر ولا تربيته ولا معونته البتة جعله مستقلا بنفسه مستغنيا عن ذلك كله ، ثم إن الله سبحانه كثره ، لأن منه قوت جنسه وقوتا لبني آدم والطير فلذلك كان كثيرا ، ثم انظر إلى سرعة حركته وإن لم تكن له آلة كغيره من الحيوان وانظر إلى حركة ذنبه وانقسامه ، وكيف يعتدل بذلك في سيره كما تعتدل السفينة برجلها في سيرها ، وخلقت أرياشه ألواحا من جانبيه ليعتدل بهما أيضا في سيره فهو بمنزلة المركب ، وانظر إلى عظامه كيف خلقت مثل العمد يبنى عليها ، ففي كل موضع منه ما يليق به من صورة العظم المشاكل لذلك العضو ، فهو كإنشاء المركب يمتد العظم الجافي الذي هو قوته ويخرج من أضلاع إلى مراقي البطن والظهر وعظام الرأس يحتاج إليه من الأمر وبه قوامه. وانظر إلى ما كان منه كاسرا كيف أعين على نيل قوته لصلابة اللحم وقوة النهضة وكثرة الأسنان حتى أنه لكثر أسنانه تكون العضة الواحدة تجزيه عن المضغ.
انظر إلى ما خلق الله في البحر ضعيفا قليل الحركة مثل أصناف الصدف والحلزون كيف حفظ بأن خلق عليه ذلك الحصن الذي هو صلب كالرخام ليصونه ويحفظه ، وجعل له بيتا وسكنا ، وجعل ما يولي جسده ناعما أنعم ما يكون ، وربما ضر ببيت بعض أصناف الحلزون حتى لا يكون فيه مطمع البتة ، وأصناف منه خلقت في محائز مفتوحة لا يمكن صيانتها لنفسها لتغلقها ولا يضيق مسلكها ، فجعل الله لها من الجبال والحجارة مغطى ، وجعل لها أسبابا تلتصق بها في الجبل فلا يستطاع إخراجها إلا بغاية الجهد ، وجعل لها قوتا من رطوبة الجبل تتأتى حياتها بذلك.
وأما الحلزون الذي بينه كأنه كوكب فإنه يخرج رأسه يرعى ، فإذا أحس بما يؤذيه أدخل رأسه في بيته وختم عليه بطابع صلب يقرب من صلابة بيته فيغيب أثره بالجملة فانظر هذا اللطف وأن الله لم يهمل شيئا. واعلم أن الله حافظ لما في البحار وما في الآكام والجبال. فتبارك الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
وانظر إلى أنواع من السمك يرعى قرب البر الصغير منها والجا في الأعماق ، وخلق الله في جوفه صبغا كأنه حبر وهو يخلق له فيه من فضلة غذائه كما يخلق اللبن في الضرع ، فإذا أحس