ضعف. ولا تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك من قلوبهم. وإذا خاصمت فتوقر ، وتحفظ من جهلك وعجلتك ، وتفكر في حجتك ؛ ولا تكثر الإشارة بيدك ، ولا تكثر الالتفات إلى من ورائك ، ولا تجث على ركبتيك ؛ وإذا هدأ غضبك فتكلم. وإذا قربك السلطان فكن منه على حد السنان. وإياك وصديق العافية ، فإنه أعدى الأعداء. ولا تجعل مالك أكرم من عرضك.
فهذا القدر يا فتى يكفيك من بداية الهداية ، فجرب بها نفسك ، فإنها ثلاثة أقسام : قسم في آداب الطاعات ، وقسم في ترك المعاصي ، وقسم في مخالطة الخلق. وهي جامعة لجملة معاملة العبد مع الخالق والخلق ؛ فإن رأيتها مناسبة لنفسك ورأيت قلبك مائلا إليها راغبا في العمل بها ، فاعلم أنك عبد نوّر الله تعالى بالإيمان قلبك ، وشرح به صدرك.
وتحقق أن لهذه البداية نهاية ، ووراءها أسرارا وأغوارا وعلوما ومكاشفات ، وقد أودعناها في كتاب إحياء علوم الدين ، فاشتغل بتحصيله. وإن رأيت نفسك تستثقل العمل بهذه الوظائف ، وتنكر هذا الفن من العلم ، وتقول لك نفسك : أنّى ينفعك هذا العلم في محافل العلماء؟ ومتى يقدمك هذا على الأقران والنظراء؟ وكيف يرفع منصبك في مجالس الأمراء والوزراء؟ وكيف يوصل إلى الصلة والأرزاق وولاية الأوقاف والقضاء؟ فاعلم أن الشيطان قد أغواك ، وأنساك منقلبك ومثواك ، فاطلب لك شيطانا مثلك ليعلمك ما تظن أنه ينفعك ويوصلك إلى بغيتك. ثم اعلم أنه قط لا يصفو لك الملك في محلتك فضلا عن قريتك وبلدتك ، ثم يفوتك الملك المقيم والنعيم الدائم في جوار رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.