الصدر الأول ، أما في زمن علي رضي الله عنه ومن نازعه فقد قطع المشرع صلىاللهعليهوسلم طول كمّ الخلافة بقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا بويع للخليفتين فاقتلوا الأخرى منهما" والعجب كل العجب من حق واحد كيف ينقسم ضربين ، والخلافة ليست بجسم ينقسم ، ولا بعرض يتفرق ، ولا بجوهر يحد ، فكيف يوهب ويباع. وفي حديث أبي حازم : أول حكومة تجري في المعاد بين علي ومعاوية فيحكم الله لعليّ بالحق والباقون تحت المشيئة. وقول المشرع صلىاللهعليهوسلم لعمار بن ياسر : " تقتلك الفئة الباغية" فلا ينبغي للإمام أن يكون باغيا. والإمامة لا تليق لشخصين كما لا تليق الربوبية لاثنين. إنما الذين بعدهم طائفة تزعم أن يزيد لم يكن راضيا بقتل الحسين ، فسأضرب لك مثلا في ملكين اقتتلا فملك أحدهما أفتراه يقتله العسكر على غير اختيار صاحبها إلا غلطا؟ ومثل الحسين لا يحتمل حاله الغليظة لما جرى من القتال والعطش وحمل الرأس إجماعا من جماهير المشيرين. وقالت الأمة المغنية حيث مدحت عليا في غنائها ، أفتراه قتلها بغضا لعلي أم لها؟ وقول يزيد بن معاوية لعلي بن الحسين زين العابدين : أنت ابن الذي قتله الله ، قال : أنا ابن الذي قتله الناس ، ثم تلا قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) [النساء : ٩٣] أفتراك يا يزيد تجعل لربك جزاء جهنم وتخلد فيها وتغضبه عليه وتلعنه وتعد له عذابا أليما؟ فإن قلت إن هذه البراهين معطلة لا يحكم بصحتها حاكم الشرع ، فنقول في حججكم مثل ما تقولون. ثم إجماع الجماهير بشتم علي ألف شهر على المنابر أمركم الكتاب أم السنة أم الرسول؟ ثم الذين من بعدهم ممن غيرهم أخذوها نصّا أم سنة أم إجماعا؟ لكن قد أخذوها بسيف أبي مسلم الخراساني ، فانظروا إلى قطع أعمالكم بسيف المشرع حيث قال لكم : " الخلافة بعدي ثلاثون ثم يتولى ملكا جبروت" بقوله للعباس رضي الله عنه : " يا أبا الأربعين ملكا" ولم يقل خليفة. والملوك كثير واحد في زمانه فيا أيها الطالب للملك حصل الإله وحمل الإله وابذل واصبر واحذر واقرب وطول واحتمل وصالح حتى تقدر والله تعالى أعلم.
فصل وهي المقالة الخامسة
إذا أردت ترتيب ملك في الملك فاشتهر رجال الدول بعد تحصيلك المال ، ثم تابع وشايع ، وأدلك بعضا على بعض للجذب فهو كما قال المتقدمون :
إذا هبّت رياحك فاغتنمها |
|
فعقبى كلّ خافقة سكون |
واجعل قواعد المملكة على الكبار على هيئة ترتيب الجسور والقناطر لتجوز عليها ، أن تناول أغراضك ، فإن وجدت مشاركا فداوه بأنواع المعالجة وآخر الدواء الكيّ ، ثم انظر إلى دستور عدد الجند وعدد القرباء ومعرفة الداخل والخارج والزيادة ، واستعرض الجيش في سنتك ثلاث مرات ، واجعل طلائعك أربعمائة نفر من أمنائك. وإذا أردت الغزو فأشع الخبر ، فإذا وجدت أو طفقت إلى مضاق ترتب جيشك صفوفا وراء صفوف ، وحمل مع أصحابك ليبذلوا السيف في الصف المنهزم من أصحابك ، وكن مشرفا عليهم من نشز ولو نصبت أعلامك زورا من غير حمل ، وادخر لنفسك