فيه ، حتى مات الملك فتصور مكانه وتزوج ابنته ، فاجتهد في التدريج والتطويل وحصل. وقد شاهدت محمد بن صباح إذ تزهد تحت حصن الموت وكان أهل الحصون يشتهون أن يطلع إليهم فلم يفعل ، وهو يحصل المريدين ويعلم طريق الإرادة والتلمذة وشيئا من الجدل ، ثم جعل يمهذر بكلام على قدر عقولهم من جملته : ما تقول في قائل لا إله إلا الله هل هو محق أو غير محق؟ فإن قلت محق فيلزمونك باليهود والنصارى ، وإن قلت غير محق ، قالوا فلم تتعلق بها؟ ثم جذب الناس وجعل يقول للمريدين : أما ترون الناس قد تركوا الشريعة! فلما كبر الأمر خرج إليهم بطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فصبا إليه خلق كثير ، وخرج صاحب القلعة إلى الصيد والتلامذة أكثرهم أهل القلعة ، ففتحوا الحصن ، ودخله وقتل الملك في الصيد ، وفشا أمره ومذهبه حتى صنفت في الرد عليهم كتابا وسميته قواصم الباطنية ومنتظرهم فلا بد في آخر الزمان أن يهجروا الشرائع ويبيحوا المحرمات فانظر هذه الطريق التي شرعنا لك أيها الملك وجعلناها إشارة وسلما تنال بها مقاصدك.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر الحطيئة أن يجمع حديث عبس وذبيان ، ولا بأس بجمع هذه الكتاب ، حتى تنور نيران النخوة ، فتمد باع همتك إلى أسنى طلبتك وأقصاها وأعلاها. وقصص الأنبياء تكفيك إن غفلت ، وقد علمت صبر الأنبياء على نيل المقاصد مع الأعداء حتى فازوا بالنيل. وقد سمعت حديث داود بن شعيا ولد سليمان عليهما الصلاة والسلام ، وكان صبيّا ، فلما حاول وعضدته يد السعادة فقتل جالوت حتى تزوج ابنة طالوت ، وكان طالوت دباغا. وهكذا سير الملوك ، فانظر في كتاب: " الأسباب والمعارف" لابن قتيبة ودع النظر في الصغر ، وانظر الشاعر كيف يقول :
لا تأمنن إذا ما كنت ذا أدب |
|
مع الخمول بأن ترقى إلى الفلك |
بينا ترى الذّهب الإبريز مطّرحا |
|
في الأرض إذ صار إكليلا على الملك |
وبطعم الحديد وذوقه يتأدب الكرم عند كسحه ، وإذا ترك عجمه سنة هلك ، ألا ترى إلى الحيوان البهم كيف بالضرب والأدب يتعلم الرقص والتطاير؟ ولما مات هارون استخلف الأمين وفر المأمون إلى مدينة أصفهان ومعه الحسن بن سهل ، وكان المأمون ذا فنون وعلوم وآداب ، فقعد المأمون في المسجد الجامع وقد فرشه باللبد زهدا والناس يهرعون إليه لتعلم العلوم ، وابن سهل يومئ إلى الطوائف ويقول لهم : أليس هذا هو الخليفة حقا؟ فبايعوه! ويقول لهم : سنة هذا سنة الأولين الطاهرين ، فلم يزل يستدرج الناس حتى حوى عسكره ثمانين ألفا. وكانت الأعاجم تسمع بطريق الأمين الفاسد ففروا وطلبوا المأمون ، حتى عقد الجيوش لطاهر بن الحسين فدخل على الأمين فقتله ، واستولى المأمون. فكم من هذه السير المنقولة! وإنما نسمعك بعضها تقوية وإعانة لهمتك.