فتقعد على كرسي طب أحوال العالمين ، فتجس بمقياس الفراسة طريق معرفة الظالم من المظلوم. واعلم أن الغنى والأموال هي مدخرة لتحصيل المملكة الدنيوية والأخروية ، فإذا صح لك هذا الطريق غلبت بسهم السعادة من عصاك ، ومنه يحصل لك تسخير الهمم العلوية. ولا يراد الخلق إلا للثواب والثناء وإلا فما هي إلا أرواح سائرة عن أجساد خالية. وقد ورد في لطائف الحكايات أن الملائكة قال بعضهم لبعض : اتخذ ربنا من نطفة رديئة خليلا وقد أعطاه ملكا عظيما ، فأوحى الله تعالى للملائكة اعهدوا إلى أزهدكم ورئيسكم! فوقع الاتفاق على جبريل وميكائيل فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه عند رابية للحلب ، وكان لإبراهيم أربعة آلاف راع ، وأربعة آلاف كلب ، في عنق كل كلب طوق من ذهب أحمر ، وأربعون ألف غنمة حلابة ، وما شاء الله من الخيل والجمال ، فوقف الملكان في طريق الجمع فقال أحدهما بلذاذة صوت : سبوح قدوس ، فجاوبه الآخر : رب الملائكة والروح ، فقال : أعيداها ولكما نصف مالي! ثم قال : أعيداها ولكما مالي وولدي وجسدي! فنادت ملائكة السماوات : هذا هو الكرم ، فسمعوا مناديا من العرش يقول : الخليل موافق لخليله. فكن أيها الملك غير مبال بوجود المال وعدمه إذا سلمت لك نفس رئاستك وقلة مملكتك. وسنذكر حكايات الكرم في مواضعها من كتاب : " السلسبيل" وكتب" إحياء علوم الدين". فإذا أردت اقتفاء آثار السابقين فقد ذكر في كتاب فتوح سيف الدين الكوفي أن أهل الشام لما أثقلهم الحصار وقالوا لا نسلم إلا لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فلما علم عمر ذلك حصل فرسا وحمارا ، فقال له كبار أهل المدينة : المملكة بناموسها ، فأجابهم بأن المملكة معطيها صاحب السماء ، فصفوا خواطركم وعلوا هممكم لتبصروا السعادة بمقاييس الأنوار من وراء الأفلاك. ثم سار إلى الشام فاتفق له أن وقع به الحمار في غدير ماء متغير وحمأة ، فابتلت مرقعته ، وكانت نوبته ، فعرضوا عليه ركوب الفرس فأبى ، وقالوا : قد أقبلت العساكر والرهابين لتسلم عليك ، فغير ما عليك!فلم يلتفت حتى أقبل عليه جملة الشاميين بنواقيسهم وقبعاتهم ، فلما رأوه في تلك الحالة قالوا بأجمعهم : أنت عمر ولك نسلم ولك نطيع وندين ، كما قال المسيح : " إذا وصلكم صاحب المرقعة المبلولة بالماء والتراب فسلموا إليه". فهذا خبر سر معارف رسول الله صلىاللهعليهوسلم كيف صفا ووفى ، فعرفه سر ما كان وما يكون. ومن تلك الأنوار اعتصر الناس ملاحم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقمر النبوة الذي هو أخوه وشريكه في نوره اعتصر كتيبا مثل الجفر والجامعة وكتاب خطبة البيان وهي حاوية على أكثر ما يكون في الزمان.
وإن طلب أحد الهدنة فهادنه إن كان مسلما ، وإن كان كافرا وقدرت عليه فلا تهادن كيلا تفوت الفرصة ، ولتكن الهدنة إلى أمد معلوم وأقلها أربعة أشهر فإن صفت همتك وكانت روحانية لها مجانسة في الملكوت الأعلى ، وعلو همتك ظاهرة ، فخذ طريقا صالحا من تثليث وتسديس من نجم ناظر إليك لا إلى سواك ويخر له ، فإن تونست به صار لك وزيرا ، والأصل