بعرش ربي بارزا. فقال عليهالسلام : مؤمن نوّر الله قلبه الآن عرفت فالزم! واقسم عمرك وأيّامك ودهرك أثلاثا : ثلثا لنفسك ، وثلثا لرعيّتك ، وثلثا لربّك».
واعلم أن الناس بك لائذون لطلب منافعهم ، وكل أحد يريدك لنفسه إلا الله ، فإنه يريدك لك ، فكن معه ولازمه ولا تستهويك الأماني ، فالظل لا بد أن يزول ولو عمرت ما عاش آدم ، أخبرني الأستاذ الجويني عن مشايخه : قيل لمحمود بن بويه : كيف عمدت إلى طلب المملكة ولم تكن لها أهلا؟ فقال : سمعت امرأة تنقر دفا وتقول بيتا لعمر بن سبطي (شعر) :
من هاب خاب وجاسر بلغ المنا |
|
والدّهر فيه عذوبة وعذاب |
فحملني ذلك على طلبها فطلبتها ونلتها.
وقد تحالى المتنبي حيث قال (شعر) :
فثب واثقا بالله وثبة حازم |
|
يرى الموت في الهيجا جنا النّخل في الفم |
وانظر إلى علو همة الحلاج ، وإن كان قد قال الحاسدون فيه ورجموه بالحلول ، وقد تلقى الموت غير خائف ، ونطق ظاهره بما أعمى جهلتهم ، حتى قيل لأبي العباس بن شريح : ما تقول في الحلاج؟ قال : ما أقول في رجل هو أفقه مني في الفقه ، وفي الحقيقة ما أفهم ما يقول ، فقيل له : ما سمعت منه من جملة ما سمعت؟ قال : سمعت في بعض كلامه وهو يشير إلينا : من حضر بطلت شهادته ، ومن غاب صحت ، وفي مثل هذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : " حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين" لأنهم واقعون مع صف التجلي ، فما لهم والندم على ما كان والخوف مما يكون ، صفت أحوالهم في راووق المجاهدة ، فامتنعوا بطريق الدلال لا عن الالتفات إلى غيره ، فطاروا بأجنحة علومهم المجموعة في المجاهدة والتصفية والتزكية فخرقوا حجاب الناسوت حتى وصلوا إليه ، ضاقت بهم العبودية فخرجوا عن حيز العالمين ، فمزجت الناسوتية بصفات اللاهوتية ، ثم عادت النفوس الطاهرة إلى معادنها ، فهبت عليهم نسمات واجب الوجود ، فحلوا في خيام الراحة بعد البعث في مقعد صدق عند مليك مقتدر كما قال السكران من العشق (شعر) :
إنّما الحبّ فناء كلّه |
|
رحم الله امرأ قال به |
إنّ من أضحى بقلبي سالما |
|
لم يذر منه سوى قالبه |
في ظلال الشّوق قلبي راقد |
|
من هجير الهجر قد قال به |
فإن لم تكن أيها الملك الطالب لا بهمة علوية ولا بيد باسطة سبعية فأنت كما قيل (شعر) :
إذا كنت لا ترجى لدفع ملمة |
|
ولا لذوي الحاجات عندك مطمع |
ولا أنت ذو جاه يعاش بجاهه |
|
ولا أنت يوم الحشر ممّن يشفع |
فعيشك في الدّنيا وموتك واحد |
|
وعود خلال من حياتك أنفع |