أن لا عود للأجسام والأرواح إلى الصانع القديم القادر ، أهو ذاك أم غيره سواه؟ أتتجحد عليه وتتحكم وتعجزه في قدرته وآيته ونبوته؟ أفمن رباك في بطن أمك أفلا يربيك في بطن قبرك؟ ثم تقول : تختلط العظام بعضا ببعض ، فكيف السبيل إلى تخليصها؟ فانظر إلى الصانع كيف يخلص التراب وبرادات الذهب والفضة والحديد ، وهو أجزاء تعجز أنت خلاصها ، فالصانع القادر ليس بمعجز ولا يدخل تحت طوق ما تريد ، وإنما أنت عاجز تعجز وتغتر بمقالات أبي علي بن سينا ، أقد صار عندك أصدق من محمد صلىاللهعليهوسلم؟ فانظر إلى فعل هذا وهذا ، ثم احكم بالفسق والعدالة ، وارفع الحكومة إلى حاكم عقلك في التصديق والتعديل واحسبهما حكمين ، فإن قلت هذا عقل وهذا نقل فانظر ما يذكرون لك من حوائج طلبك ، ألا تسأله عن خواصها وبراهينها وتقول : لم يقبض هذا ويسهل هذا؟ فيكون جوابك عنده إنما أنت معارض أم مريض ، فكيف تعارض طبيب آخرتك وقد كان الذين قبلك أكثر منك بصيرة وعقلا ، علموا أن الاعتراض والتعجيز كفر فأسلموا منه وآمنوا. فجاهد نفسك واتبع شرعك فلا تخالف نبيك ، وأكرم كتابك فهو هدية الله إليك. وقبيح بمن أكرمه ملكه بهديته أن يستهين بها. وعن قليل تلتقي وتتواقف وتستحيي ، وإن كانت الروح راجعة إلى مبادئها عند بارئها ، فإن صدق الشرع فهناك يتبين غليظ التوبيخ. والجماهير أكثر منك ، إذ أنت منخرط في سلك نظام الآحاد لا التواتر. تبعت طاعة نفسك فأردتك إلى البلايا ، وإلا فانظر الليل والنهار ، والصيف والشتاء والربيع والخريف ، وتنقل الأحوال فيهما ، وإحياء الأرض بعد موتها ، ونومك وانتباهك بغير اختيارك ، وآيات كثيرة أنت عنها غافل ، ثم ارجع إلى مجاهدة نفسك تمح صفاتها الذميمة وتثبت صفاتها الحميدة المستقيمة. فاقمع الغضب بالرضا ، والكبر بالتواضع ، والبخل بالبذل ، والإمساك بالصدقة ، والصمت بالذكر ، والنوم باليقظة ، والشبع بالجوع ، والغفلة بالانتباه ، والخلطة بالخلوة ، والاشتراك بالعزلة ، والمداهنة بالصدق ، والشهوة بالقمع ، والباطل بالحق ، فإذا محوت صفات آفاتك بان لك عند رفع ستر الغفلة كيف يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. لكنك شيطان مريد ، وتزعم أنك لله مريد ، فأين آثار حلاوة التوحيد؟ نام واحد من بني إسرائيل في موعظة داود عليهالسلام ، فأوحى الله تعالى أن يا داود من ادعى محبتي ثم ينام عند ذكري فقد كذب. لما أمر إبراهيم عليهالسلام بذبح إسماعيل عليهالسلام في منامه فقال : يا أبت هذا جزاء من نام عن خليله. وآدم لما نام خلقت حواء. قال الشاعر (شعر) :
عجبا للمحبّ كيف ينام |
|
كلّ نوم على المحبّ حرام |
واعلم أن قلبك هو المدينة التي أشرنا ، فيقدم شيطان نفسك إلى تعبئة جيوش الهوى ، وعساكر حب الدنيا ، ونقاب الوساوس ، ونقاب التمني ، ومشاغل سوء الظن ، ومناجيق المخالفة ، وبوق الكبر ، وطبول إساءة السمعة ، وأسياف خيل الشره ، وزحف رجل المكر (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) [الإسراء : ٦٤] فإذا أحاطت هذه الجيوش بهذه المدينة ، ولم