يكن لها زاد ولا رجال من الأخلاق الحميدة ، هلكت المدينة إن لم يدفع عنها البلاء ، وسلب الملك وخربت مدينته ، ونام عنها حارس الذكر ، وتهدمت أبراج الصدق ، وقعد شيطان النفس على سدة أسرار القلب ، وهتك أستار خزائن الأعمال ، ودارت في المدينة عوانية الشك ، وقطعت أشجار المعاملة ، ونهبت أموال الأعمال ، وأكلت ثمار الآمال ، ووقع الشك في الكتاب ، ونفرت النفوس عن مصاحبات الأصحاب ، وعصى كل مولاه ، وتبع كل منهم هواه ، وكبكبوا على مناخرهم في النار وقالوا يا ويلنا (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) [ص : ٦٢. ٦٣] وكل ما الناس فيه من التشكيك والبلايا هي الشبه والحرام ، وإلا فصفّ زادك وانظر لشرح نور الإيمان في سرك وفؤادك ينكشف لك زادك ليوم بعثك ومعادك. هي النفس ما عودتها تتعود ، واعلم أنك نفس المجاهدة تهذب نفسك حتى تصير ملكا روحانيا ، وبمتابعة الغفلة والشهوات تصير شيطانا رجيما. فجاهد النفس الأمارة بالسوء تمح صفات آفاتها حتى تصير لوّامة ، ثم انقل اللوامة إلى مقام المطمئنة كما ينقل السلطان فراشه إلى مقام الكاتب ، ثم إلى مقام الوزير ، ثم يتصرف مع نصحه في ملكه فينظر إلى حسناته فيكون عنده سيئات هذا مقام حسنات سابقه كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين. والطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، والمقامات تعلو مع الأنفاس ، كان صلىاللهعليهوسلم يعلو من مقام إلى مقام ، وهي مقامات الكشف والمعارف بها نبه حيث قال : " إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" والرّين أشد من الغين. واسمع نظم أمير المؤمنين علي عليهالسلام في النفس :
صبرت عن اللّذّات حتى تولّت |
|
وألزمت نفسي صبرها فاستمرّت |
وكانت على الأيام نفسي عزيزة |
|
فلمّا رأت عزمي على الذلّ ذلّت |
وقلت لها يا نفس موتي كريمة |
|
فقد كانت الدّنيا لنا ثمّ ولّت |
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت |
|
ولا البخل يبقيها إذا ما تولّت |
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى |
|
فإن أطعمت تاقت وإلا تسلّت |
فهذبها وعذبها ، وقربها من بابها ، وانظر مقام الأنبياء والأولياء فيها ، واغتنم الثواب والثناء فما ذكر الصادقين كذكر الفاسقين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : ٨٨] وقد سمعت مقالات اللعابات ، وكم لي كرارا ، فلك لذا التواني غائلة وللقبيح خميرة ، يتبين بعد قليل والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. ولكنك كالعود النخر لا يحمل ثمرا ولا يظل بشرا ، وكالمرأة القرعاء التي باهت صاحبات الشعور بشعرها الزور فإذا كشفت عن رأسها هتكت بين جلاسها ، وأنت قد رضيت بقعقعة ثيابك ونذل ثوابك. غدا ترحل القوافل ، وتبقى على الطريق يا غافل ، وتقعد بغير زاد وتقول لشاويش القافلة ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ، هيهات غلق الرهن فلا يقال. قالوا : يا رسول الله ما السر في نقطة دمعة الميت على خده؟ فقال : " أما الصغير لما