يشاهد من حال أبويه في اللوح ، وأما الكبير فيكاشف بأعماله وانتقال زوجته وأمواله" فبم تتنبه وهذا الحال أنت فيه وبه ، كما قيل : عود نخر ما يحمل ، وأقرع ما يمتشط ، وما يجيء من مربح مزبلة لسبيل. فأنا أرفعك وهمتك تضعك ، لا شك أن الغلبة لك. فمن كانت همته ما يدخل في بطنه كانت قيمته ما يخرج منها. إن فهمت فانتبه ، وإلا فأنت بنفسك أخبر ، ونصحت ولكن لا تحبون الناصحين.
المقالة الرابعة والعشرون
في المحبة والشوق والمشاهدة والمكاشفة والمواعظ
والزواجر النقلية والعقلية
اعلم أن المحبة جائزة وجارية أولا بين الله وأوليائه وقد نوه بها القرآن من قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة : ١٦٥] وقوله : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] فإن قلت وثارت نفسك الخبيثة : كيف تحب من تراه وليس من جنسك؟ فقد تحب الصانع لما يظهر من حسن صناعته ، فانظر إلى بساطه وما فيه من بدائع النقوش والخضر والأشجار والثمار والأنهار ، وإلى الفلك وما فيه من الليل والنهار وشموس وأقمار وكواكب كبار وصغار ، فهذه آيات صناعة الصانع دالات على استمرار وجوده ، فسبحان صانع المصنوعات! فترتيب نفسك إن عقلت أعظم مما رأيت وسمعت. والذي يدلك وهو من أقوى الدلائل في محبته لذة سامع كلامه ، إذ هو معجز لا نظير له ، فيه يستدل على محبة المتكلم ، أما سمعت نظم الشعراء :
وكاعب قالت لأترابها |
|
يا قوم ما أعجب هذا الضّرير |
أيعشق الإنسان من لا يرى |
|
فقلت والدّمع بعيني غزير |
إن كان طرفي لا يرى شخصها |
|
فإنّها قد صوّرت في الضّمير |
وقال جرير :
يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة |
|
والأذن تعشق قبل العين أحيانا |
إنّ العيون التي في طرفها مرض |
|
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا |
يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به |
|
وهنّ أضعف خلق الله أركانا |
وأما الأخبار فكثيرة وقد ذكرناها في كتب الإحياء ، وإشارة من جملتها كافية مثل قوله : " كذب من ادعى محبتي ، وإذا جنّ الليل نام عني" ومثل قوله : " لا يزال عبدي المؤمن يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به" الحديث. واعلم أن الحب والعشق واحد ، والأفضل فيه هو هيام العاشق بالمعشوق ، وهو النظر لاستحسان بعض الصور بطريقة الولع به نار عن طريق بخار حاد من خاطر ذكيّ لوذعيّ سبك نيران المجاهدة فطهرت أبخرة نيرانها من وراء مؤخرات الدماغ ، وظهرت ملوحات الفكر