في العشق من متقدمات اليافوخ ، وفتحت مصاريع خلوة القلب فأقعد خيال المعشوق قبالة عين اليقين ، والنفس تصقل مرآة المجاهدة في نظر جمال المحبوب ، والأصل في المحبة هو المنادمة والألفة واستحسان كلام المعشوق ، فعند ذلك تثور همة الطلب بقدح نيران الشوق ، فتستغلب عليه حالة العشق فيصير في الشوارع مجنونا ما صارت نيران الماليخوليا ، فخلط الكلام ، واحترق البلاغم والأخلاط ، وصفقت سماء القلب لتجلي قمر المعشوق ، فيبقى العاشق والها والعا تائها في تجلي جلال المعشوق ، فإذا انكشفت البلاغم فارت عرائس القلب تحمل صواني نثار الأشعار ، ورقصت عرائس الآمال في مجالس الأصوال ، فزمر مزمار التمني ، وضرب مزهر التأني كما قال سابق الرجال :
تمنيتها حتى إذا ما تمثّلت |
|
طربت كأني قد دعوت ولبّت |
تمنيتها حتى إذا ما رأيتها |
|
رأيت المنايا شرّعا قد أظلّت |
تمنت أحاليب الرعايا وخيمة |
|
بنجد وما يقض لها ما تمنت |
فلا تنسيا أن يعفو الله عنكما |
|
ولو ما إذا صلّيتما حيث صلّت |
فيا ليتني أحجار حائط مسجد |
|
لعزّة إذ فيه تصلّي وولت |
ثم هيج الغبار فترى بخار التمني ، ويقوى بخار العناء ، فترى التقسيم الواقع في القلوب ، فهنالك لا نوح ولا قرار ، ويظهر مبادي النحول والصفار ، ويبرز أعراض السهر ، وتقدح نيران العشق لهزال سمان الأبدان ، وينشد المغني من غير توان :
وجه الذي يعشق معروف |
|
لأنه أصفر منحوف |
ليس كمن أضحى له جثة |
|
كأنه للذبح معلوف |
في الحديث" ينادي مناد في كلّ ليلة : ألا لعن الله الأكول النّئوم" ابن آدم لهذا خلقت؟ تقنع ليخف حسابك ، ويصح جسدك ، ويقل أمراضك ، وينصلح أغراضك ، ويقل منامك ، ويكثر ذكرك ، فيهديك محبوبك إليه ، فيجذبك إلى طاعته ويعصمك عن معصيته. فأكثر من النوافل تفلح والسلام.
ذكر الشوق والمكاشفة
اعلم أن الشوق هو الداعي إلى حالة المكاشفة ، والشوق هو التمني للقاء المعشوق ، ولقاء المعشوق لا يحصل إلا بالمكاشفة ، والمكاشفة إما أن تكون عيانا أو قلبية وهو تجلي المعشوق بحالة يحملها قلب العاشق ، لكن العيان هو أفضل ، بل بشرط جامع بين القلب والعين كحالة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنه كاشفه ليلة إسرائه بالتجلي القلبي والنظري لصحة الروايتين عن عائشة وعلي وابن عباس. واعلم أن حقيقة المكاشفة هي عين النظر إلى المحبوب ، ولكن