إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٢٦] وأنت غير واصل إلى كشف ستور الوصول ، فإذا بلغت المنى والسؤال تعرف ما بين الله والرسول. وقد قلنا لك سابقا : جاهد ولا تجاحد ، فالمجاهدة تزيل غبار الشكوك مع المشاهدة ، وأنت معصب العين بعصابة حطام الدنيا ، وهمتك ضعيفة خسيسة ، فأين خنافسة الكنيف من المقام الشريف! وحسن الظن وهو الإكسير العظيم الذي به يقلب كل جهل علما ، فمن تمسك به فقد استراح. فهذا نوع المحبة والشوق والمكاشفة على وجه الاختصار.
فصل
وأما الزواجر والوعظيات فمثل الآيات الرادعة المذكرة للوعد والوعيد ، والأخبار المذكرة للفزعة ، والحكايات الجاذبة والأشعار المخوفة والمشوقة ، فخوفوا المبتدئ وشوقوا المنتهي ، لأن المبتدئ هو قريب من خروج دار الجهل فيضرب عليه سور من التخويف خوفا من الزيغ والميل ، وأما المنتهي فقد غفر الذنب ورق القلب وأصابه عناء المجاهدة ، فلا بد للجمل من حاد لقطع الوادي. فالمجاهدة قلاشية ، والنغمات تنشية ، قياسا بأرض ميتة تحيا بوابل المطر فتهتز وتربو وتنبت وتثبت وتنثر على المريد نثار الهمم. انظر كيف قال أبو حيان التوحيدي : إن كنت تنكر أن للنغمات فائدة ونفعا ، فانظر إلى الإبل اللواتي هن أغلظ منك طبعا ، تصغي إلى قول الحدأة فتقطع الفلوات قطعا. فعليك بالخلوات الأربعينية التي يسميها مشايخ العجم جله ، فهي عند العجم الجلاء ، واعتد بها ، وليكن زادك وزنا تنقص كل يوم منه لقمة ، أو تزن مأكلك بعود ندي فهو ينقص على قدر جفافه. فقلل ولا تتعلل ، خفف وطفف في مأكلك تلتحق بعالم الملائكة ففي الحديث «أكثركم شبعا في الدّنيا أطولكم جوعا يوم القيامة». وإذا فعلت ذلك تستغني النفس بالقدس وتصير لك بها أنس ، فلا تتخذ على محبة الدنيا والفلس ، فينتقل إليك حالة الصفة المحمدية صلىاللهعليهوسلم من قوله" لست كأحدكم ، أنا أظل وأبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني" فهو حالات الصادقين ومنازل المتقين ، فلا تكن من المكذبين الضالين ، فإن عجزت عن مقام المقربين ، فكن من أصحاب اليمين ، والحمد الله رب العالمين.
المقالة الخامسة والعشرون
في العلم والعمل
اعلم أن الخواص من خلق الله تعالى ثلاثة : عالم وعارف وناسك ، فأما العالم فهو الذي علم واطلع على العلوم الظاهرة فعمل بها فورثه الله بعلمه العلوم الباطنة : مثل علم المحبة ، وعلم الشوق والرضى ، وعلم القدر ، وعلم المكاشفة والمراقبة ، وعلم القبض والبسط. فهذه علوم الصوفية الصافية الصادقة الوافية ، مثل الحسن ، وسفيان ، والفضيل بن عياض ، وأبي يزيد البسطامي ، وأبي الحسين النوري ، وحبيب العجمي ، ومعروف الكرخي ، وشقيق البلخيّ