ومحمد بن حفيف وبشر بن سعيد وأحمد الخوارزمي وأحمد الداراني ، وحارث المحسابي ، وسرى السقطي ، وأبي الحسين بن المنصور الحلاج ، والجنيد ، والشبلي ، وأبي نعيم القاضي. فهذه الطائفة الإلهية الذين نبغ ذكرهم ليسوا كالطائفة المشغولة بالعلوم والشهوات ، وصرفوا همومهم إلى الزيدية والقرصين فأتتهم المعاملات: بيضوا الثياب وسودوا الكتاب ، صقلوا الخرق ولا نقلوا عن الخرق ، وجعلوا المرقعات شركا على الشهوات. فهؤلاء هم الزنابيل وأولئك هم القناديل ، وأولئك تمسكوا بالواحد الشاهد ، وهؤلاء انصبوا إلى محبة الشاهد. أولئك هجروا المناصب وهؤلاء دبوا إلى المناصب ، أكثر كلامهم اذهبوا لمذهب حتى يذهب ، والخلاف عندهم كورق الخلاف. الأصول عندهم فضول ، والنحو عندهم محو. أكثر علومهم الرقص والشبابة ، لا يفرقون بين القرابة والصحابة. فما أكثر عيوبهم ، لقد نسوا محبوبهم. تشاغلوا بمأكل الدويرات ، ونسوا مدارج الطاعات. نصبوا السجادات لأجل الخلق ، ونسوا الله والحق. فهؤلاء الذين جاء فيهم الحديث : «إنّ الله ينزع مرقعاتهم ويعلقها على أبواب الجنة ويكتب عليها مرقعات زور». تركوها مناصب للاكتساب ، ووهبوها لكلب أهل الكهف واقتسموا جلده عليهم عوضا من مرقعاتهم. فهؤلاء صوفية الدنيا وأولئك صوفية الأخرى ، جمعوا بين العلم والعمل ، وسهروا حتى ظفروا ، قالوا فنالوا ، صدقوا فحققوا ، علموا ثم عملوا ، فجمعوا بين المقال والحال ، فهم أهل العلم والمغفرة ، والنسك والزهادة ، فأحدثت لهم جميع هذه الحالات خاصية قوة الهيئة ، فطاردوا بأجنحة الاشتياق إلى رياض القدس وحظيرة الصمدية ، فاقتطفوا علوم الغيب ، فقالوا هؤلاء فقراء الآخرة وصوفيتها الذين علموا أن النعمة هي من المنعم فتركوا الأسباب جوانب. وأما علماء الآخرة فمثل الحسن البصري ، وسفيان بن عيينة ، والثوري صاحب المذهب ، والطائي الطاهري ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، ومالك بن أنس المدني ، ومحمد بن إدريس الشافعي المطلبي ، وأحمد بن حنبل الشيباني ، والمزني ، وابن شريح ، والحداد ، والقفال ، وأبو الطيب ، وأبو حامد ، وأستاذنا إمام الحرمين أبو المعالي الجويني ، والشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم الفيروزآبادي المعروف بالشيرازي ، فقد جرى له مع شيخنا نوبة عند السلطان وكنت أحضرها ، فما رأيتهم طلبوا بالمناظرة غير إظهار الحق ، لا غلبة ولا صقل كلام ، ولا نقص في الخبر النبوي ، ولا تأويل باطل في متن آية ، ولا مزاعقة ولا مخاصمة ، بل هو على طريق الفائدة والمباحثة. فأولئك من علماء الآخرة الذين شبهوا صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بترديد الفتاوى من واحد إلى واحد ، وقالوا أميركم أحق بالتقليد ونحن علماء السوء نشتغل بسواد الليقة وبري القلم والتصدي والتحدي وذرب اللسان وسواد الطيلسان وقعقعة الثياب وطول الأردان وسعة الأكمام والصيحة والدهشة وذكور إناث العجم (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر : ١٤] فانظر الفرق بين الطوائف والفرق : أليس في الحديث «من ترك المراء وهو محقّ بني له بيت في أعلى