فصل في أعاجيب الفنون والأسفار
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم «إنّ بالمغرب هاهنا لأرضا بيضاء من وراء قاف لا تقطعها الشّمس في أربعين سنة ، قالوا : يا رسول الله أو فيها خلق؟ قال : نعم ، فيها مؤمنون لا يعصون الله طرفة عين ، لا يعرفون آدم ولا إبليس ، بينهما الملائكة يعلّمونهم شريعتنا ويحكمون بينهم ويدرّسونهم الكتاب العزيز ، قالوا : يا رسول الله زدنا من هذه الأعاجيب! فقال : إنّ لي صديقة من مؤمني الجنّ غابت عنّي سنين فسألتها أين كنت ، فقالت : كنت عند أختي من وراء الأرض البيضاء الّتي وراء قاف بهزد ، فقلت : أوهم مؤمنون؟ فقالت : نعم ، قرأت عليهم كتابك فآمن به قومنا. فقلت : وما وراء تلك الأرض؟ فقالت جبال ثلج وماء وهواء وظلماء ، ثمّ وراء ذلك جهنّم ، فقلت : أو تصعد الشّمس في تلك البلاد؟ فقالت نعم».
وأما حديث تميم بن حبيب الداري فعجيب ، حيث اختطفته الجن ، فشاهد من عجائبها حتى رأى القصر الذي فيه الدجال مقيدا ، فقال له : من أي الأمم أنت؟ فقال : من أمة محمدصلىاللهعليهوسلم ، فقال : أوقد بعث؟ فقال نعم ، فقال : آن أوان خروجي.
وأما حديث جن العقبة فأعجب ، قال عبد الله بن مسعود : «مشيت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلي ابن أبي طالب عليهالسلام في ليلة مظلمة حتى وقف بنا على ثقب ، فظهر منه رجل فقال : انزل بنا يا رسول الله! فناولني فاضل ثيابه ، ثم أخذ بيد علي عليهالسلام ونزلا في الثقب وأقعدني مكاني ، فلما برق بارق الصبح عادا ومعهما رجال يشبهون الزط ، فقال : هؤلاء إخوانك المؤمنون ، وكان معي ماء فيه منبوذ شيء من التمر ، فشرب منه ثم توضأ». صح ذلك من غير نزاع ، وقد أوله أرباب الهوى على اختيار ما يريدون ، فمن أراد أن يعلم حقيقة هذا وغيره فلينظرن في كتاب" مغايب المذاهب" وهو من جملة تصانيفنا.
وأما قصة زعيم بن بلعام فهي عجيبة ، قد أراد أن ينظر من أين منبع النيل ، فلم يزل يسير حتى وجد الخضر فقال له : ستدخل مواضع ، ثم أعطاه علائمها ، فوصل إلى جبل وفيه قبة من ياقوت على أربعة أعمدة ، والنيل يخرج من تحتها وفيه فاكهة لا تتغير ، قال : فرقيت رأس الجبل فرأيت وراءه بساتين وقصورا ودورا وعالما غزيرا ، وكنت شيخا أبيض الشعر ، فهب علي نسيم سوّد شعري وأعاد شبابي ، فنوديت من تلك القصور : إلينا يا زعيم إلينا ، فهذه دار المتقين! فجذبني الخضر ومنعني ، فهذا سر قولهصلىاللهعليهوسلم سبعة أنهار من الجنة : جيحون وسيحون ودجلة وفرات ونيل وعين بالبردن وبالمقدس عين سلوان ، لأن منها ماء زمزم. وأعجب من هذا الحديث حديث بلوقيا وعفان ، فحديثهما طويل ، وإشارة منه كافية ، فقد بلغ من سفرهما حتى وصلا إلى المكان الذي فيه سليمان ، فتقدم بلوقيا ليأخذ الخاتم من إصبعه ، فنفخ فيه التنين الموكل معه ، فأحرقه فضربه عفان بقارورة فأحياه ، ثم مد يده ثانية وثالثة فأحياه بعد