ونيل مقصد المملكة ، هو بالاشتغال فيما يجذبها من التهاب وما يشاكلها. فإن قلت هذه سعادات أزلية ، فمن قدر له في السابق شيء أخذه وبلغه ولا يمحى ما سطر على جبين العبد ، فقد صدقت ، ولكن مت تحت غبار طلب العز لا على مزابل الشهوات بالذل كما مر بك الإنشاد السابق (شعر) :
اطلب العزّ في لظى وذر الذلّ |
|
ولو كان في جنان الخلود |
وقد سمعت كلاما لمعاوية إذ قال : هموا بمعالي الأمور لتنالوها ، فإني لم أكن للخلافة أهلا فهممت بها فنلتها. وقد ذكرت حكاية في كتاب" سر خزانة الهدى والأمد الأقصى إلى سدرة المنتهى" أنه مات بعض الملوك ، فغلقت المدينة وقالوا : لا نملكها إلا لملك كان في ساعده علامة نور شعشعاني ، فورد إليهم رجل فقير وفي ساعده نور كما كان في ساعد الملك المتقدم ، وكان ينظر إليه وزير المدينة بعين الدراية بعد أن ملكوه البلد ، فدخل الوزير إليه بهدية وهي قشرة من عود قناري كجفنة كبيرة ، فقال الملك : من أين لك هذا؟ فقال الوزير : كثير مثل هذا يجيء في نهرنا ، فقال الملك : لا تستقر في الوزارة حتى تأتيني بخبره وفي أي بلد يكون ، فاتخذ الوزير له مركبا فسار حتى دخل تحت جبل ، فلما قطعه بخروجه إلى جانبه الآخر رأى بلادا أشجارها كلها مثل هديته ، ثم رأى جماعة قائمة منقطعين في جبل فقال : ما الذي يريد هؤلاء ويفعلون؟ فقالوا كلهم في طلب الملك يتجرعون سنة مع أنواع المجاهدات فمن رقي على ساعده نور أبيض فهو مستحق الملك ، فلما عاد الوزير أخبر الملك بقصة ما رآه فقال الملك : لا تحتقر فتحتقر ، وسافر واعمل لتذكر ، فهذا علو الهمة بالجوع والمجاهدات ، ثم قال : لا يغرنك الجواشن والبيض.
وقد رأيت بعينيك مشار علو الهمة فإن أردت ذلك فعليك بالجوع والعلم والخلوات يكشف لك العلامات بسرائر الكائنات ، فاطلب وجد واجتهد ، فنيل مقاصد الرجال من غير تعب هذيان. والحمد لله رب العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيد المرسلين آمين.