يهلل الله تعالى ويسبحه ويقدسه ، ولو برز منها قمر واحد إلى سماء الدنيا لعبد من دون الله ولأحرقها نوره ، فحينئذ ينادي مناد من الحضرة القدسية من وراء السرادقات : من هذه النفس التي جئتم بها؟ فيقول : فلان بن فلان ، فيقول الجليل جل جلاله : قربوه فنعم العبد كنت يا عبدي! فإذا وقفه بين يديه الكريمتين أخجله ببعض اللوم والمعاتبة حتى يظن أنه قد هلك ثم يعفو عنه سبحانه. كما روي عن يحيى بن أكثم القاضي وقد رئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : وقفني بين يديه ثم قال يا شيخ السوء فعلت كذا وفعلت كذا ، فقال يا رب ما بهذا حدثت عنك ، قال : فبما ذا حدثت عني يا يحيى؟ فقلت : حدثني الزهري عن معمر عن عروة عن عائشة عن النبي صلىاللهعليهوسلم عن جبريل عنك سبحانك أنك قلت إني لأستحي أن أعذب شيبة شابت في الإسلام. فقال : يا يحيى صدقت وصدق الزهري وصدق معمر وصدق عروة وصدقت عائشة وصدق محمد وصدق جبريل ، وقد غفرت لك. وعن ابن بنانة وقد رئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : وقفني بين يديه الكريمتين وقال أنت الذي تلخص كلامك حتى يقال ما أفصحه؟ قلت : سبحانك إني كنت في الدنيا أصفك ، قال قل كما كنت تقول في دار الدنيا! قلت : أماتهم الذي خلقهم ، وأسكتهم الذي أنطقهم ، وسيوجدهم كما أعدمهم ، وسيجمعهم كما فرقهم. قال لي : صدقت اذهب قد غفرت لك.
وعن منصور بن عمار أنه رئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك؟ قال : وقفني بين يديه الكريمتين وقال لي بما ذا جئتني يا منصور؟ قلت : بستة وثلاثين حجة ، قال لي : ما قبلت منها ولا واحدة ، ثم قال : بما ذا جئتني؟ قلت : بثلاثمائة وستين ختمة قرأتها لوجهك الكريم ، قال : ما قبلت منها واحدة ، ثم قال لي : بما ذا جئتني يا منصور؟ فقلت : جئتك برحمتك ، قال سبحانه : الآن جئتني ، اذهب فقد غفرت لك! وكثير من هذه الحكايات تخبز بهذه الأمور. وإنما حدثتك شيئا ليقتدي به المقتدي والله المستعان.
ومن الناس من إذا انتهى إلى الكرسي وسمع النداء ردوه ، فمنهم من يرد من الحجب ، وإنما يصل إلى الله تعالى عارفوه ، ولا يقف بين يديه إلا أهل المقام الرابع فصاعدا.
فصل
وأما الفاجر فتؤخذ نفسه عنفا ، فإذا وجهه كآكل الحنظل ، والملك يقول : اخرجي أيتها النفس الخبيثة من الجسد الخبيث! فإذا له صراخ أعظم ما يكون كصراخ الحمير ، فإذا عزرائيل ناولها زبانية قباح الوجوه ، سود الثياب ، منتني الريح ، بأيديهم مسوح من شعر ، فيلفونها فيه ، فتستحيل شخصا إنسانيا على قدر الجرادة ، فإن الكافر أعظم جرما من المؤمن ، يعني الجسم في الآخرة. وفي الصحيح أن ضرس الكافر في النار مثل أحد. قال فيعرج به حتى ينتهي إلى باب سماء الدنيا ، فيقرع الأمين الباب ، فيقال : من أنت؟ فيقول : أنا قياييل ، فيقال : من