الإنسان ، ولو سمعه لصعق. وآخر ما يفقد من الميت السمع ، لأن الروح إذا فارقت القلب بأسرها فسد البصر ، وأما السمع فلا يفقد حتى تقبض النفس ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «لقّنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله» ونهى عن الإكثار بها عليهم لما يجدونه من الهول الأعظم والكرب الأقصم. فإذا نظرت إلى الميت قد سال لعابه وتقلصت شفتاه واسود وجهه وازرقت عيناه فاعلم بأنه شقي ، قد كشف له عن حقيقة شقوته في الآخرة ، وإذا رأيت الميت جاف الفم كأنه يضحك ، منطلق الوجه ، مكسورة عينه ، فاعلم أنه بشّر بما يلقاه في الآخرة من السرور ، وكشف له عن حقيقة كرامته. فإذا قبض الملك النفس السعيدة تناولها ملكان حسان الوجوه ، عليهما أثواب حسنة ، ولهما روائح طيبة ، فيلفونها في حريرة من حرير الجنة وهي على قدر النحلة شخصا إنسانيا ما فقد من عقله ولا من علمه المكتسب في دار الدنيا ، فيعرجون به في الهواء ، منهم من يعرف ومنهم من لا يعرف ، فلا تزال تمر بالأمم السالفة والقرون الخالية كأمثال الجراد المنتشر حتى تنتهي إلى سماء الدنيا ، فيقرع الأمين الباب ، فيقال للأمين : من أنت؟ فيقول : أنا صلصيائيل. أي جبريل. وهذا فلان معي بأحسن أسمائه وأحبها إليه ؛ فيقولون له : نعم الرجل كان فلان وكانت عقيدته حسنة غير شاك. ثم ينتهي إلى السماء الثانية فيقرع الأمين الباب فيقال : من أنت؟ فيقول مقالته الأولى فيقال : أهلا وسهلا بفلان ، كان محافظا على صلاته وجميع فرائضها. ثم يمر حتى ينتهي إلى السماء الثالثة فيقرع الأمين الباب فيقال : من أنت؟ فيقول الأمين مقالته الأولى والثانية ، فيقال : كان يرعى الله في حق ماله ولا يتمسك منه بشيء ثم يمر حتى ينتهي إلى السماء الرابعة فيقرع الباب فيقال : من أنت؟ فيقول كدأبه في مقالته ، فيقال : أهلا بفلان كان يصوم فيحسن الصوم ويحفظه من إدراك الرفث وحرام الطعام. ثم ينتهي إلى السماء الخامسة فيقرع الباب فيقال : من أنت؟ فيقول كعادته ، فيقال : أهلا وسهلا به أدى حجة الله الواجبة عليه من غير سمعة ولا رياء. ثم ينتهي إلى السماء السادسة فيقرع الباب فيقال : من أنت؟ فيقول الأمين مقالته ، فيقال : مرحبا بفلان كان كثير الاستغفار بالأسحار ويتصدق بالسر ويكفل الأيتام. ثم يفتح له فيمر حتى ينتهي إلى سرادقات الجلال فيقرع الباب فيقول الأمين مثل قوله ، فيقال : أهلا وسهلا بالعبد الصالح والنفس الطيبة ، كان كثير الاستغفار وينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف ويكرم المساكين. ويمر بملإ من الملائكة كلهم يبشرونه بالجنة ويصافحونه حتى ينتهي إلى سدرة المنتهى فيقرع الباب فيقول الأمين كدأبه في مقالته ، فيقال : أهلا وسهلا ومرحبا بفلان ، كان عمله عملا صالحا لوجه الله تعالى. ثم يفتح له فيمر في بحر من نار ، ثم يمر في بحر من نور ، ثم يمر في بحر من ظلمة ، ثم يمر في بحر من ماء ، ثم يمر في بحر من ثلج ، ثم يمر في بحر من برد ، طول كل بحر منها ألف عام ، ثم يخترق الحجب المضروبة على عرش الرحمن وهي ثمانون ألفا من السرادقات ، لكل سرادق ثمانون ألف شرافة ، على كل شرافة قمر