بحسابه ووزنه ، ولعل في تلك اللحظة حاسب فيها آلاف ألوف ما لا يحصي عدتهم إلا الله ، كل منهم يظن أن الحساب له وحده ، وكذا لا يرى بعضهم بعضا ، ولا يسمع أحدهم كلام الآخر ، بل كل واحد تحت أستاره. فسبحان من هذا شأنه وهو قوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان : ٢٨]. وهو في قوله سر عجيب من أسرار الملكوت ، إذ ليس لملكه حد محدود ، فسبحان من لا يشغله شأن عن شأن! وفي هذه الحالة يأتي الرجل إلى ولده فيقول له : يا بني إني كسوتك حيث لا تقدر تكسو نفسك ، وأطعمتك طعاما وسقيتك شرابا حيث كنت عاجزا عن ذلك ، وكفلتك صغيرا حيث كنت لا تستطيع دفع الضراء ولا جلب السراء ، فكم من فاكهة تمنيتها فابتعتها لك ، حسبك ما ترى من هول يوم القيامة وسيئات أبيك كثيرة فتحمل عني منها ولو سيئة فيخف عني ، وأعطني ولو حسنة أزيدها في الميزان! فيفر منه الولد ويقول له : أنا أحوج منك إليها. وكذا يفعل الفصيل مع الفصيلة والصاحب والأخ وهو قوله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) [عبس : ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦]. (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) [المعارج : ١٣]. وفي الحديث «يحشر النّاس عراة ، قالت عائشة رضي الله عنها : ووا سوأتاه ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقرأ النبي صلىاللهعليهوسلم : لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه». لأن شدة الهول وعظم الكرب تشغلهم أن ينظر بعضهم إلى بعض. فإذا استقر الناس في صعيد واحد طلعت عليهم سحابة سوداء فأمطرتهم صحفا منشرة ، فإذا صحيفة المؤمن ورقة ورد ، وإذا صحيفة الكافر ورقة سدر ، والكل مكتوب ، فتتطاير الصحف فإذا هي بالميامن والمياسر ، وليس عن اختيار ، وإنما هي تقع بيمينه وبشماله وهو قوله تعالى : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء : ١٣]. وحكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد جواز الصراط ، وهو غلط من قائله فإنه تعين أنه يرده من قد جاز الصراط ، ففي السبعة جسور يهلك الناس. والسبعون ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفا ، وإنما هي براءة مكتوب فيها «لا إله إلا الله محمد رسول الله هذه براءة فلان بن فلان بدخول الجنة ونجاته من النار» فإذا غفرت له ذنوبه أخذ الملك بعضده وجاس به خلال الموقف ونادى : هذا فلان بن فلان قد غفر الله له ذنوبه وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، فما مر عليه شيء أسر من ذلك المقام. والرسل يوم القيامة على المنابر والأنبياء والعلماء على منابر صغار دونهم ، ومنبر كل رسول على قدره ، والعلماء العاملون على كراسي من نوره ، والشهداء والصالحون كقراء القرآن والمؤذنون على كثبان المسك. وهذه الطائفة العاملة أصحاب الكراسي هم الذين يطلبون الشفاعة من آدم عليهالسلام ونوح حتى ينتهوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد جاء أن القرآن يأتي يوم القيامة في صورة رجل حسن الوجه والخلق فيشفع ، فيشفع الإسلام مثله ، فيخصم ويخاصم عن صاحبه ، وقد ذكرنا حكاية الإسلام مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتاب" الإحياء" بعد مخاصمته ، فيتعلق به من شاء الله فيهوي بهم