ويطلب أن يرده الله إليه ، فيقول : ردوه! ثم يقول له : أيها العبد العاق لأي شيء تطلب الرد؟ فيقول : إلهي إني رأيت أني سائر إلى النار لا بد لي منها ، وكنت عاقا لأبي فضعف علي عذاب أبي وأنقذه منها!قال فيضحك الله ويقول : عققته في الدنيا وبررته في الآخرة ، خذ بيد أبيك وانطلق به إلى الجنة! فما من أحد يذهب به إلى النار إلا والملائكة توقفه لعلمهم بسر أحكام الآخرة ، حتى لقد ينادى بقوم لا خلاق لهم خلقوا حطبا لها وحشوا فيقال (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات : ٢٤]. فتحبس تلك الزمرة حتى يخرج النداء فيهم : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) [الصافات : ٢٥]. فيستسلمون ويعترفون بالذنب كما قال الله تعالى (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) [الملك : ١١]. فيدفعون دفعة واحدة إلى النار. وكذا يؤتى بأهل الكبائر من الأمة شيوخا وعجائز ونساء وشبابا ، فإذا نظر إليهم مالك خازن جهنم قال : أنتم معاشر الأشقياء ما لي أرى أيديكم لا تغسل ولم تسود وجوهكم؟ ما ورد علي أحسن حالا منكم ، فيقولون : يا مالك نحن أشقياء أمة محمد دعنا نبكي على ذنوبنا! فيقول لهم : ابكوا فلن ينفعكم البكاء ، فكم من شيخ وضع يده على لحيته يقول وا شيبتاه وا طول حزناه! وكم من كهل ينادي واطول مصيبتاه واذل مقاماه! وكم من شاب ينادي وا شباباه! وكم من امرأة قد قبضت على شعرها وهي تنادي وا سوأتاه وا فضيحتاه! فإذا النداء من قبل الله تعالى : يا مالك أدخلهم النار من الباب الأول! فإذا همت النار أن تأخذهم يقولون بأجمعهم : لا إله إلا الله ، فتفر النار منهم مسيرة خمسمائة عام ، فيأخذون في البكاء ، وإذا النداء : يا نار خذيهم يا مالك أدخلهم الباب الأول! فعند ذلك يسمع صلصلة كصلصلة الرعد فإذا النار همت أن تحرق القلوب زجرها مالك وجعل يقول : لا تحرقي قلبا فيه القرآن ، وكان وعاء للإيمان ، ولا تحرقي جباها سجدت للرحمن! فيعودون فيها ، وإذا برجل يعلو صوته على صوت أهل النار فيخرج وقد امتحش فيقول الله له : ما لك أكثر أهل النار صياحا؟ فيقول : يا رب حاسبتني ولم أقنط من رحمتك ، وعلمت أنك تسمعني فأكثرت الصياح ، فيقول الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر : ٥٦]. اذهب فقد غفرت لك وكذا يخرج من النار فيقول الله له : خرجت من النار فبأي عمل تدخل الجنة؟ فيقول : يا رب ما أسألك منها إلا يسيرا ، فترفع له شجرة منها فيقول الله : أرأيت إن أعطيتك هذه الشجرة تسألني غيرها؟ فيقول : لا وعزتك يا رب! فيقول الله : هي هبة مني إليك ، فإذا أكل منها واستظل بظلها رفعت له شجرة أخرى أحسن منها فيجعل يكثر النظر إليها فيقول الله تعالى : مالك لعلك أحببتها؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول له : إن أعطيتك إيّاها هل تسألني غيرها؟ فيقول : لا يا رب ، فإذا أكل واستظل بظلها رفعت له شجرة أحسن منها فيجعل ينظر إليها فيقول الله له : إن أعطيتك إياها تسألني غيرها؟ فيقول : لا وعزتك يا رب لا أسألك غيرها ، فيضحك الله عزوجل فيدخله الجنة. ومن غريب حكم الآخرة أن الرجل يؤتى به إلى الله فيحاسبه ويوبخه وتوزن له حسناته وسيئاته وهو في ذلك كله يظن يقينا أن الله ما اشتغل إلا